التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ
٥٧
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الحجاز وعاصم { يقص الحق } من القصص وهو المروي عن ابن عباس ومجاهد. الباقون - بالضاد - المعجمة من فوقها من القضاء. وكان أبو عمرو يقوي القراءة بالضاد بقوله { وهو خير الفاصلين }. ويقول الفصل في القضاء لا في القصص ويقوي ذلك بقوله { والله يقول الحق وهو يهدي السبيل }.
وحجة من قرأ بالصاد قوله:
{ نقص عليك أحسن القصص } وقوله: { إن هذا لهو القصص } }. وأما الفصل الذي قوى به أبو عمرو قراءته فقد جاء الفصل في القول كما جاء في الحكم والقضاء في نحو قوله { إنه لقول فصل } وقال: { أحكمت آياته ثم فصلت } وقال { نفصل الآيات } وقال { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفتري ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء } فذكر في القصص انه تفصيل. والحق في قوله { يقص الحق } يحتمل امرين:
احدهما - أن يكون صفة لمصدر محذوف وتقديره يقضي القضاء الحق أو يقص القصص الحق.
والثاني - أن يكون مفعولا به يعجل الحق كقول الهذلي:

وعليهما مسرودتان قضاهما داود أن صنع السوابغ تبع

أي صنعهما داود.
وفي هذه الآية أمر من الله لنبيه ان يقول للكفار انه على بينة من ربه، أي على أمر بين من معرفة الله وصحة نبوته، لا متبع للهوى.
وقوله { وكذبتم به } الهاء راجعة الى البيان، لان البينة والبيان واحد، وتقديره وكذبتم بالبيان الذي هو القرآن. وقال قوم: بينة من ربي من نبوتي { وكذبتم به } يعني بالله. وعلى الاول يكون تقديره كذبتم بما أتيتكم، لانه هو البيان.
وقوله: { ما عندي ما تستعجلون به } (ما) بمعنى ليس. والذي استعجلوا به يحتمل امرين:
احدهما - العذاب، كما قال
{ ويستعجلونك بالعذاب } }. والثاني - أن يكونوا استعجلوا الآيات التي أقترحوها عليه فأعلمهم الله أن ذلك عند الله وأن الحكم له تعالى { يقض الحق وهو خير الفاصلين } وكتبت يقضى بغير ياء، لانها اسقطت في اللفظ لالتقاء الساكنين، كما كتبوا { سندع الزبانية } بغير واو.
ومن قرأ: بالصاد من القصص حمله على أن جميع ما أنبأ به وأمر به، فهو من أقاصيص الحق.
وقال الحسن: (البينة) النبوة و { كذبتم به } بالنبوة التي جاءت من عند الله و { ما تستعجلون به } من العذاب جواب لقولهم:
{ أتنا بعذاب الله } } وفي قراءة ابن مسعود { يقص بالحق } ولم يقرأ به احد.
وقوله { يقضي بالحق } يدل على بطلان قول من يقول: ان الظلم والجور بقضاء الله، لان ذلك كله ليس بحق.