التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٧١
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة { استهواه الشياطين } بألف ممالة، الباقون بالتاء المعجمة من فوق قال ابو عبيدة { كالذي استهوته الشياطين } أي استمالت به، ذهبت به، ومنه { فأزلهما الشيطان عنها } وكذلك هوى وأهوى غيره، قال تعالى: { { والمؤتفكة أهوى } يقال أهويته واستهويته، كما قال { فأزلهما الشيطان } و { إنما استزلهم الشيطان } ، فكما أن ازله بمعنى استزله كذلك استهواه بمنزلة أهواه، وكما أن معنى استجابه أجابه في قول الشاعر:

فلم يستجبه عند ذاك مجيب

وقرأ حمزة ها هنا مثل قراءته "توفاه" وكلا المذهبين حسن.
وقوله: { استهواه } انما هو من قولهم: هوى من حالق اذا تردى منه. ويشبه به الذي زل عن الطريق المستقيم، كما أن زل انما هو من العباد، والمكان أمر الله نبيه (صلى الله عليه وسلم) والمؤمنين أن يقولوا لهؤلاء الذين يدعونهم الى عبادة الاوثان والاصنام { أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا } ان عبدناه، ولا يضرنا ان تركنا عبادته { ونرد على أعقابنا } بعد الهدى والرشاد وبعد معرفتنا بالله وتصديق رسله الى الضلال، وذلك مثل يقال فيمن رجع عن خير الى شر: رجع على عقبيه، وكذلك اذا خاب من مطلبه، يقال رد على عقبيه، ويصير في الحيرة { كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران } لا يهتدي الى طريق، ولا معرفة { له أصحاب يدعونه } الى الطريق الواضح وهو الهدى ويقولون له { ائتنا } ولا يقبل منهم، ولا يصير اليهم غير انه لذهاب عقله من فعل الله، فيستولي الشيطان حينئذ عليه، ولا يقبل من أحد لحيرته. شبه الله به الكافر الذي يرجع عن ايمانه وهداه الى الضلال. قال ولا يقدر أحد من الشياطين على اذهاب عقل أحد، لانهم لو قدروا على ذلك لسلبوا عقول العلماء من حيث انهم أعداؤهم، فلما لم يقدروا على ذلك دلَّ على أنه لا يقدر على ذلك الا الله.
ثم أمره الله أن يقول لهؤلاء الكفار { إن هدى الله هو الهدى } أي دلالة الله لنا على توحيده وأمر دينه هو الهدى الذي يؤدي المستدل به الى الفلاح والرشاد في دينه وهو الذي يجب أن يعمل عليه ويستدل به دون ما يدل عليه غيره من سوى أمور الدين. وقوله { وأمرنا لنسلم لرب العالمين } معناه أمرنا أن نسلم امورنا لله رب العالمين وان نفوضها اليه ونتوكل عليه لا على غيره مما يعبده المشركون.
و { حيران } نصب الحال، وتقديره كالذي استهونه الشياطين في حال حيرته. وقوله { له أصحاب يدعونه الى الهدى } قيل: نزلت في عبد الرحمن ابن أبي بكر، كان أبواه يدعوانه الى الايمان ويقولان له { ائتنا }، أي تابعنا في ايماننا { وأمرنا لنسلم لرب العالمين } تقول العرب: أمرتك ان تفعل وأمرتك لتفعل وأمرتك بأن تفعل، فمن قال: أمرتك بأن تفعل، فالباء للالصاق. والمعنى وقع الامر بهذا الفعل. ومن قال أمرتك أن تفعل حذف الباء، ومن قال أمرتك لتفعل المعنى أمرنا للاسلام. قال الزجاج: يكون اللام لام التعليل والتقدير أمرنا كي نسلم قال الشاعر:

أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل

أي كي أنسى. وقال الطبري: معناه وأمرنا لنخضع له بالذلة والطاعة ونخلص ذلك له دون ما سواه من الانداد والالهة.