التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ
٨
وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ
٩
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اخبر الله تعالى في هذه الآية عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا { لولا } ومعناه: هلا { أنزل عليه } يعنون على محمد { ملك } يشاهدونه فيصدقه. ثم أخبر عن عظم عنادهم انه لو أنزل عليهم الملك على ما اقترحوه لما آمنوا به، واقتضت الحكمة استئصالهم وألا ينظرهم ولا يمهلهم. وذلك بخلاف ما علم الله تعالى من المصلحة على ما بيناه.
ومعنى { لقضي الأمر } أي أتم إِهلاكهم وقضي على ضروب كلها ترجع الى معنى تمام الشىء وانقطاعه في قول الزجاج. فمنه
{ قضى أجلا وأجل مسمى عنده } معناه ثم ختم بذلك وأتمه، ومنه الامر كقوله { وقضى ربك ألا تعبدوا إِلا اياه } الا أنه أمر قاطع ومنه الاعلام نحو قوله { وقضينا إلى بني إسرائيل } أي أعلمناهم إِعلاماً قاطعا. ومنه الفصل في الحكم نحو قوله { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضى بينهم } أي لفصل الحكم بينهم. ومنه قولهم قضى القاضي. ومن ذلك قضى فلان دينه، أي قطع ما لغريمه عليه وأداه اليه وقطع ما بينه وبينه وكلما أحكم فقد قضي، تقول قضيت هذا الثوب وهذه الدار، أي عملتها وأحكمت عملها، قال أبو ذؤيب

وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع

وقال مجاهد معنى { وقالوا لولا أنزل عليه ملك } يريدون في صورته. قال الله تعالى { ولو أنزلنا ملكا } في صورته { لقضي الأمر } أي لقامت الساعة أو وجب استئصالهم ثم قال { ولو جعلناه ملكا لجعلناه } في صورة رجل، لان أبصار البشر لا تقدر على النظر الى صورة ملك على هيئته للطف الملك وقلة شعاع أبصارنا وكذلك كان جبرائيل (ع) يأتي النبي (صلى الله عليه وسلم) في صورة دحية الكلبي، وكذلك الملائكة الذين دخلوا على ابراهيم في صورة الاضياف حتى قدم اليهم عجلا جسدا، لانه لم يعلم أنهم ملائكة، وكذلك لما تسور المحراب على داود الملكان كانا في صورة رجلين يختصمان اليه. وقال بعضهم: المعنى لو جعلنا مع النبي ملكا يشهد بتصديقه { لجعلناه رجلا } والاول أصح.
وقوله { وللبسنا عليهم ما يلبسون } يقال: لبست الامر على القوم ألبسه اذا شبهته عليه، ولبست الثوب البسه، وكان رؤساء الكفار يلبسون على ضعفائهم أمر النبي (ع)، فيقولون: هو بشر مثلكم، فقال الله تعالى { ولو أنزلنا ملكا } فرأوا الملك رجلا ولم يعلمهم أنه ملك لكان يلحقهم من اللبس ما يلحق ضعفائهم منهم. واللبوس ما يلبس من الثياب واللباس الذي قد لبس واستعمل.
فان قيل: قوله: انه لو جعل الملك رجلا للبس عليهم يدل على أن له أن يلبس بالاضلال والتلبيس؟
قلنا: ليس ذلك في ظاهره، لانه لم يخبر أنه لبس عليهم وانما قال لو جعلته ملكا للبست ولم يجعله ملكا فاذاً ما لبس، كما قال تعالى
{ لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء } وليس يجوز عليه اتخاذ الولد ولا الاصطفاء له بحال، فسقط ما قالوه.