التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١
-الممتحنة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذه الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة "حين عزم النبي صلى الله عليه وآله على ان يدخل مكة بغتة، فسأل الله أن يعمي اخبارهم على قريش ومنع احداً أن يخرج من المدينة إلى مكة فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يعلمهم بذلك، فأوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وآله بذلك، فدعا علياً عليه السلام والزبير، وقال لهما: اخرجا حتى تلحقا جارية سوداء متوجهة إلى مكة معها كتاب، فخذاه منها، فخرجا حتى لحقاها فسألاها عن الكتاب، فأنكرت ففتشاها، فلم يجدا معها شيئاً، فقال الزبير: ارجع بنا فليس معها شيء، فقال علي عليه السلام يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: خذ الكتاب منها، وتقول: ليس معي شيء!!! ثم اقبل عليها، وسل سيفه. وقال: والله لئن لم تخرجي الكتاب لاضربن عنقك فقالت له أعرض بوجهك عني، فلما أعرض عنها أخرجت الكتاب من بين ضفيرتين لها، وسلمته اليه، فلما عادا سلماه إلى النبي فأمر النبي صلى الله عليه وآله بأن ينادى بالصلاة جامعة فاجتمع الناس، فصعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر وخطب. ثم قال: (أما إني كنت سألت الله ان يعمي اخبارنا عن قريش حتى ندخل مكة بغتة، وإن رجلا منكم كتب اليهم ينذرهم خبرنا، وهذا كتابه فليقم صاحبه) فلم يقم أحد فأعاد ثانياً، فلم يقم احد، فأعاد ثلاثاً، ثم قال: فليقم وإلا فضحه الوحي، فقام حاطب، وهو يرعد، وقال يا رسول الله: والله ما نافقت منذ اسلمت، فقال ما حملك على ذلك، فقال إن لي بمكة أهلا وليس لي بها عشيرة، فأردت ان اتخذ بذلك عندهم يداً ان كانت الدائرة لهم، فقام عمر بن الخطاب وقال: يا رسول الله مرني بأن أضرب عنقه، فانه نافق، فقال رسول الله: إنه من أهل بدر، ولعل الله تعالى أطلع إطلاعة فغفر لهم" ، فأنزل الله تعالى هذه الآية يخاطب فيها المؤمنين وينهاهم أن يتخذوا عدو الله من الكفار وعدو المؤمنين أولياء يوالونهم ويلقون اليهم بالمودة. والباء زائدة وتقديره ويلقون اليهم المودة، وهي المحبة، كما قال الشاعر:

ولما زجت بالشرب هز لها العصا شحيح له عند الازاء نهيم

أي زجت الشرب، ويجوز أن يكون المراد يلقون اليهم ما يريدون بالمودة { وقد كفروا } يعنى الكفار الذين يلقون اليهم المودة { بما جاءكم } به النبي صلى الله عليه وآله { من الحق } يعنى من التوحيد والاخلاص لله فى العبادة والقرآن وشريعة الاسلام { يخرجون الرسول وإياكم } يعنى إخراجهم لهم من مكة { أن تؤمنوا بالله ربكم } ومعناه كراهة ان تؤمنوا بالله وقال قوم: اخرجوكم لايمانكم بالله ربكم الذي خلقكم { إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضائي } أي وطلباً لمرضاتي فلا تلقوا اليهم بالمؤدة ان كنتم خرجتم مجاهدين فى سبيل الله وطالبين مرضاته. قال الزجاج: وهو شرط جوابه متقدم وتقديره إن كنتم خرجتم جهاداً فى سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء. و (جهاداً، وابتغاء) منصوبان على المفعول له.
وقوله { تسرون إليهم بالمودة } فتكاتبونهم باخبار النبي صلى الله عليه وآله { وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم } أي بسركم وعلانيتكم وظاهركم وباطنكم، لا يخفى عليّ من ذلك شيء، فكيف تسرون بمودتكم إياهم مني.
وقوله { ومن يفعله منكم } يعنى من ألقى اليهم المودة والقى اليهم اخبار النبي صلى الله عليه وآله منكم جماعة المؤمنين بعد هذا البيان { فقد ضل سواء السبيل } أي قد عدل من الحق وجار عن طريق الرشد. وفي الآية دليل على ان مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الايمان، لان حاطب بن أبي بلتعة رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قد فعل ذلك، ولا يقول أحد انه أخرجه ذلك من الايمان.