التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٢
كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٣
إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ
٤
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ
٥
-الصف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قد مضى تفسير { سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم } في أول الحشر، وقد مضى تفسيره في اول الحديد، وإنما أعيد - هٰهنا - لانه استفتاح السوره بتعظيم الله من جهة ما سبح له بالآية التي فيه، كما يستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم، وإذا جل المعنى في تعظيم الله حسن الاستفتاح به، لأن المقصد به حسب دلالته والفائدة في تعظيم ما ينبغي أن يستفتي به على جهة التعظيم لله، والتيمن بذكره.
وقوله { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } قال الحسن: نزلت في المنافقين، يقول الله لهم { لم تقولون } بألسنتكم ما لا تفعلونه، فسماهم بالايمان على الظاهر. وقيل: نزلت في قوم كانوا يقولون إذا لقينا العدوّ لم نفر، ولم نرجع عنهم ثم لم يفوا بما قالوا، وقال قتادة: نزلت في قوم: قالوا: جاهدنا وأبلينا ولم يفعلوا. وقال ابن عباس ومجاهد: نزلت في قوم قالوا: لو علمنا احب الاعمال إلى الله لسارعنا إليها، فلما نزل فرض الجهاد تثاقلوا عنه، فبين الله ذلك. وقال قوم: هو جار مجرى قوله
{ { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } فان القول الذي يجب الوفاء به هو القول الذي يعتقد بفعل البر على طريق الوعد من غير طلب.
وقوله { كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } إنما اطلق ذلك مع انه ليس كل قول يجب الوفاء به. لانه معلوم انه لا عيب بترك الوفاء فيما ليس بواجب الوفاء به، وإن الذم إنما يستحق بترك ما هو واجب أو ما أوجبه الانسان على نفسه بالنذر والعهد. والمقت البغض وهو ضد الحب، وهو على ضربين: احدهما - يصرف عنه العقل. والآخر - يصرف عنه الطبع إلا انه جرى على صيغة واحدة للبيان أن صارف العقل في التأكيد كصارف الطبع، كما أنه في الحب على داعي العقل او داعي الطبع، وحذف الألف من { لم تقولون } لشدة الاتصال، ووضع حرف الاعتلال، لانه حرف تغيير في موضع تغيير.
وقوله { مقتاً } نصب على التمييز، وتقديره: كبر هذا القول أي عظم مقتاً عند الله، وهو أن تقولوا ما لا تفعلون. ويحتمل أن يكون تقديره كبر ان تقولوا ما لا تفعلون مقتاً عند الله.
قوله { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } معناه إنه تعالى يحب من يقاتل في سبيله ويجاهد أعداء دينه ويزيد ثوابهم ومنافعهم. وقوله { صفاً } أي يقاتلونهم مصطفين، وهو مصدر في موضع الحال. وقوله { كأنهم بنيان مرصوص } قيل فى معناه قولان:
احدهما - كأنه بني بالرصاص لتلاؤمه ولشدة اتصاله.
الثاني - كأنه حائط ممدود على رص البناء أي احكامه وإتصاله واستقامته والمرصوص المتلائم الذى لا خلل فيه ومثل مرصوص شديد اللصوق في الاتصال والثبوت
ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله وأذكر { إذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم } لأنه مع العلم بنبوته لا يجوز إيذاءه، وكانوا يؤذونه، فيقولون: هذا ساحر كذاب، ويرمونه بالبرص وغير ذلك. وقوله { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } فالزيغ الذهاب عن الشيء باسراع فيه والاظهر فيه الذهاب عن الحق، والمعنى إنهم لما ذهبوا عن طريق الحق، ومالوا إلى طريق الباطل { أزاغ الله قلوبهم } بمعنى انه حكم عليها بالزيغ والميل عن الحق، ولذلك قال { والله لا يهدى القوم الفاسقين } ومعناه لا يحكم لهم بالهداية. وقيل: معناه فلما زاغوا عن الايمان أزاغ الله قلوبهم عن الثواب، ولا يجوز ان يكون المراد أزاغ الله قلوبهم عن الايمان لأن الله لا يزيغ أحداً ولا يضله عن الايمان، وايضاً فانه لا فائدة في الكلام على ما قالوه، لانهم إذا زاغوا عن الايمان فقد حصلوا كفاراً، فلا معنى لقوله ازاغ الله