التفاسير

< >
عرض

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
١
هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٣
ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٤
مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٥
-الجمعة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

لا خلاف بين القراء في هذه السورة إلا ما روي عن الأعمش انه قرأ { الجمعة } بسكون الميم. الباقون بضمها. وقد بينا معنى قوله { يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض } وبينا وجه التكرار فيه. وإنما جاء - ها هنا - على لفظ المضارعة. وقوله { الملك } يعني المالك للاشياء كلها ليس لاحد منعه منها { القدوس } المستحق للتعظيم بتطهير صفاته من كل صفة نقص { العزيز } معناه القادر الذي لا يقهر ولا يغلب { الحكيم } فى جميع افعاله.
وقوله { هو الذي بعث } يعني الله الذي وصفه بالصفات المذكورة هو الذي أرسل { في الأميين } قال قتادة ومجاهد: الاميون العرب. وقال قوم: هم أهل مكة، لانها تسمى أم القرى، والامي منسوب إلى انه ولد من أمه لا يحسن الكتابة. ووجه النعمة فى جعل النبوة في أمي موافقة ما تقدمت البشارة به في كتب الأنبياء السالفة، ولما فيه من انه أبعد من توهم الاستعانة على ما أتى به من الحكمة.
وقوله { رسولا } مفعول { بعث } و { منهم } يعني من سميتهم الأميين ومن جملتهم { يتلو عليهم } أي يقرأ عليهم "آياته" أي حججه وبيناته من القرآن وغيرها "ويزكيهم" أي ويطهرهم من دنس الشرك بما يهد بهم إلى الايمان فيجعلهم أزكياء. وإنما يجعلهم كذلك بأن يدعوهم إلى طاعة الله التي يقع فيها الاجابة لانه لو دعاهم ولم يجيبوا لما قيل: إنه زكاهم، { ويعلمهم الكتاب والحكمة } قال قتادة: يعلمهم القرآن والسنة، والحكمة نعم الكتاب والسنة، وكل ما أراده الله، فان الحكمة هي العلم الذي يعمل عليه فيما يخشى او يحبب من أمر الدين والدنيا { وإن كانوا من قبل } يعني من قبل أن يبعث فيهم ويتلو عليهم القرآن { لفي ضلال مبين } أي في عدول عن الحق جائرين عن الصراط المستقيم مبين أي ظاهر.
وقوله { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } قال ابن زيد ومجاهد: هم كل من بعد الصحابة إلى يوم القيامة، فان الله بعث النبي منهم وشريعته تلزمهم، وإن لم يلحقوا بزمان الصحابة. { وآخرين } نصب على تقدير ويزكي آخرين منهم، لما يلحقوا بهم. ويجوز ان يكون جرّاً، وتقديره هو الذي بعث في الأميين وفي آخرين، { وهو العزيز } الذي لا يغالب { الحكيم } في جميع أفعاله وما يأمر به.
وقوله { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } { ذلك } إشارة إلى بعث الرسول بين الله تعالى ان إرساله الرسول { فضل } من { الله } ونعمة { يؤتيه } أي يعطيه { من يشاء } بحسب ما يعلمه من صلاحه مبعثة، وتحمل أعباء الرسالة { والله ذو الفضل العظيم } على عباده بما يفعل بهم من التفضل والاحسان ساعة بعد ساعة.
وقوله { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها } معنا { مثل الذين حملوا التوراة } يعني العمل بها وبما فيها، فحفظوها ودوّنوها في كتبهم ثم لم يعملوا بما فيها { كمثل الحمار يحمل أسفاراً } قال ابن عباس: الاسفار الكتب واحدها سفر، لانها تكشف عن المعنى باظهار حاله، يقال: سفر الرجل عن عمامته إذا كشف، وسفرت المرأة عن وجهها. وهي سافرة، وإنما مثلهم بالحمار لأن الحمار الذي يحمل كتب الحكمة على ظهره لا يدري بما فيها، ولا يحس بها كمثل من يحفظ الكتاب ولا يعمل به، وعلى هذا من تلا القرآن ولم يفهم معناه وأعرض عن ذلك اعراض من لا يحتاج اليه كان هذا المثل لاحقاً به. وإن من حفظه وهو طالب لمعناه وقد تقدم حفظه فليس من أهل هذا المثل.
وقوله { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } معناه بئس القوم قوم هذا مثلهم، وهم الذين كذبوا بحجج الله وبيناته.
ثم قال { والله لا يهدي القوم الظالمين } يعني الذين يظلمون نفوسهم بارتكاب المعاصي لا يحكم بهدايتهم، ولا يرشدهم إلى طريق الجنة.