التفاسير

< >
عرض

مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١١
وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
١٢
ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤
إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
١٥
-التغابن

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى مخاطباً لخلقه انه ليس يصيبكم مصيبة إلا باذن الله. والمصيبة المضرة التي تلحق صاحبها كالرمية التي تصيبه. ومنه الصواب بأنه أصابه الحق كالرمية فى اصابة البغية. وقيل: إنما عمم قوله { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله } وفى المصائب ما هو ظلم، والله لا يأذن فى الظلم، لانه لا يحسن فى الحكمة، الا ترى انه ليس منها إلا ما أذن الله فى وقوعه او التمكن منه وذلك أذن للملك الموكل به كأنه قبل له لا تمنع من وقوع هذه المصيبة. وقد يكون ذلك بفعل التمكن من الله كأنه يأذن له ان يكون. وقال البلخي: معناه إلا بتخلية الله بينكم وبين من يريد فعلها. وقال قوم: هو خاص فيما يفعله الله تعالى او يأمر به، ويجوز ايضاً ان يكون المراد بالأذن - ها هنا - العلم، فكأنه قال لا يصيبكم من مصيبة إلا والله تعالى عالم بها. ثم قال { ومن يؤمن بالله } أي من يصدق بالله ويعترف بواحدانيته { يهد قلبه } أي يحكم بهدايته. ويجوز ان يكون المراد يشرح صدره للايمان. وقيل: معناه يهدي قلبه بأن المصيبة باذن الله - ذكره ابن عباس وعلقمة - قال هو الرجل تصيبه المصيبة فيسلم ويرضى ويعلم أنها من عند الله، وقال الفراء: هو أن يقول: إنا لله وإنا اليه راجعون، وقال غيره: معناه إذا ابتلي صبر، وإذا انعم عليه شكر، وإذا ظلم غفر.
وقرأ ابو بكر { يهد قلبه } - بفتح الدال - بمعنى يسكن قلبه { والله بكل شيء عليم } لا يخفى عليه شيء من ذلك. ثم أمرهم فقال { وأطيعوا الله } فيما أمركم به { وأطيعوا الرسول } فيما أمركم به ونهاكم عنه { فإن توليتم } أي فان أعرضتم عن القبول منه وتوليتم عن الحق فليس على رسولنا قهركم الى الرد إلى الحق { فإنما على الرسول البلاغ المبين } الظاهر، وحذف ايجازاً ثم قال { الله } الذي يحق له العبادة { لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون } فالتوكل هو تفويض الامر الى الله بأنه يتولاه على الحق فيه وقد أمر الله بالتوكل عليه فينبغي للمسلم أن يستشعر ذلك فى سائر احواله وقال قوم: التوكل تفويض الأمر إلى مالكه لتدبره بالحق فيه. والوكيل المالك للتدبير فيمن فوض الامر اليه فيه.
ثم خاطب تعالى المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم } قال ابن عباس: نزلت الآية فى قوم اسلموا بمكة وأرادوا الهجرة فمنعوهم من ذلك، وقال عطاء بن بشار: نزلت فى قوم أرادوا البر فمنعهم هؤلاء. وقال مجاهد: هي فى قوم إذا أرادوا طاعة الله منعهم أزواجهم واولادهم فبين الله تعالى أن فى هؤلاء من هو عدوّ لكم فى الدين فاحذروهم فيه. و (من) دخلت للتبعيض لأنه ليس حكم جميع الأزواج والأولاد هذا الحكم. والعداوة المباعدة من الخير بالبغضة ونقيضها الولاية وهي المقاربة من الخير بالمحبة. والاذن الاطلاق فى الفعل، تقول: يسمع بالاذن، فهذا أصله، ثم قد يتسع فيه بما يقارب هذا المعنى.
ثم قال { وإن تعفوا } يعني تتركوا عقابهم { وتصفحوا } وتعرضوا عما كان منهم { وتغفروا } أي تستروا ذنوبهم إذا تابوا واقلعوا عنها { فإن الله غفور } أي ستار على خلقه { رحيم } بهم.
ثم قال { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } أي محنة وابتلاء. وقال قتادة: يعني بلاء. والفتنة المحنة التي فيها مشقة تمنع النفس عما تدعو اليه الشهوة { والله عنده أجر عظيم } أي ثواب جزيل على الصفح والعفو وغيرهما من الطاعات.