التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
٦
زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
٧
فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٨
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٩
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٠
-التغابن

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ رويس عن يعقوب { نجمعكم } بالنون على الاخبار من الله عن نفسه. الباقون بالياء على تقدير يوم يجمعكم الله.
{ أبشر } لفظه لفظ الواحد والمراد به الجمع بدلالة قوله { يهدوننا } لأنه على طريق الجنس الذي لا يجمع ولا يثنى.
لما قرر الله تعالى خلقه بأنهم جاءهم اخبار من مضى من الكفار وأن الله تعالى أهلكهم بكفرهم، بين لم أهلكهم فقال { ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم } أي تجيئهم رسلهم من الله بالحجج الواضحات { فقالوا } لهم { أبشر يهدوننا } وقد بينا أن لفظ { بشر } واحد والمراد به الجمع، ومعناه أخلق مثلنا يهدوننا إلى الحق؟! متعجبين من ذلك مستهزئين به { فكفروا } بالله وجحدوا رسله { وتولوا } أي اعرضوا عن القبول منهم { واستغنى الله } ومعناه أن الله لم يدعهم الى عبادته لحاجته اليهم، لأن الله تعالى غني عنهم وعن غيرهم، وإنما دعاهم لما يعود عليهم بالنفع حسب ما تقتضيه حكمته فى تدبيرهم { والله غني } عن جميع خلقه { حميد } على جميع افعاله لانها كلها إحسان. وقيل { حميد } يدل على أنه يجب على عباده أن يحمدوه.
ثم حكى ما يقول الكفار فقال { زعم الذين كفروا بالله } وجحدوا رسله فقال المؤرج: { زعم } معناه كذب فى لغة حمير. وقال شريح { زعم } كنية الكذب والحدة كنية الجهل { أن لن يبعثوا } أي لا يحشرهم الله فى المستقبل للحساب والجزاء فـ { قل } لهم يا محمد صلى الله عليه وآله { بلى وربي } أي وحق ربي، على وجه القسم { لتبعثن } أي لتحشرن { ثم لتنبؤن } أي لتخبرن { بما عملتم } من طاعة ومعصية { وذلك على الله يسير } سهل لا يتعذر عليه ذلك، وإن كثروا وعظموا فهو كالقليل الذي لا يشق على من يأخذه لخفة أمره، ومثله قوله
{ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كَنفس واحدة } واصله من تيسير الشيء بمروره على سهولة.
ثم قال { فآمنوا بالله } معاشر العقلاء { ورسوله } أي وآمنوا برسوله { النور الذي أنزلنا } يعني القرآن، سماه نوراً لما فيه من الادلة والحجج الموصلة الى الحق فشبهه بالنور الذي يهتدى به على الطريق { والله بما تعملون خبير } أي عالم بأعمالكم لا يخفى عليه خافية منها.
وقوله { يوم يجمعكم } تقديره واذكروا يوم يجمعكم { ليوم الجمع } وهو يوم القيامة. وقوله { ذلك يوم التغابن } والتغابن هو التفاوت فى اخذ الشيء بدون القيمة، والذين اخذوا الدنيا بالاخرة بهذه الصفة فى أنهم اخذوا الشيء بدون القبمة، فقد غبنوا أنفسهم بأخذ النعيم المنقطع بالدائم واغبنهم الذين اشتروا الآخرة بترك الدنيا المنقطع اليها من هؤلاء الذين تغابنوا عليها، وقال مجاهد وقتادة: يوم التغابن غبن أهل الجنة أهل النار.
ثم قال { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً } أي من يصدق بالله ويعترف بوحدانيته وإخلاص العبادة له ويقرّ بنبوة نبيه ويضيف إلى ذلك افعال الطاعات { يكفر عنه سيئآته } أي يكفر عنه سيئاته التي هي دونها، ويتفضل عليه باسقاط عقاب ما دونها من المعاصي { ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } يعني بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار { خالدين فيها } أي مؤبدين لا يفنى ما هم فيه من النعيم أبداً { ذلك الفوز العظيم } أي النجاح الذي ليس وراءه شيء من عظمه.
ثم قال { والذين كفروا } بالله وجحدوا وحدانيته وأنكروا نبوّة نبيه وكذبوا بمعجزاته التي هي آيات الله { أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير } أي بئس المآل والمرجع. وقرأ (نكفر، وندخله) بالنون أهل المدينة واهل الشام على وجه الاخبار من الله تعالى عن نفسه. الباقون بالياء على تقدير يكفر الله عنهم ويدخلهم.