التفاسير

< >
عرض

رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً
١١
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً
١٢
-الطلاق

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرئ { ندخله } مدني وشامي على وجه الاخبار من الله تعالى عن نفسه. الباقون بالياء بمعنى يدخل الله. والياء أشبه بما قبله.
قيل فى انتصاب قوله { رسولاً } وجهان:
احدهما - أن يكون بدلا من ذكر، وهو بدلا الاشتمال، ويكون الذكر القرآن، كأنه قال رسولا ذكراً.
الثاني - ان يكون الذكر بمعنى الشرف، فيكون الذكر هو الرسول، كما قال
{ وإنه لذكر لك ولقومك } }. وفيه وجه ثالث وهو أنه لما قال: انزل ذكراً دل على انه جعل رسولا، وكأنه قيل وبعث رسولا كما قال الشاعر:

يا رب غير آيهن مع البلى إلا رواكد جمرهن هباء
ومشجج اما سواء قذاله فبدا وغيب ساره المغراء

لانه لما قال: إلا رواكد دل على ان بها رواكد فحمل مشجج على المعنى. وقال الزجاج: يحتمل ان يكون نصباً بذكر، كأنه قال ذكر رسول، بمعنى أن ذكراً رسولا، يكون ذكر مصدر، والذي انزل جبرائيل لقوله { نزل به الروح الأمين } } وقوله { يتلو عليكم } أي يقرأ عليكم آيات الله يعني دلائله وحججه مبينات أي واضحات في من يفتح الياء ومن كسرها أراد انها تبيين الآيات والتلاوة. من قولهم جاء فلان ثم تلاه فلان أي جاء بعده، ومنه قوله تعالى { ويتلوه شاهد منه } أي يأتي بعده، فالتلاوة جعل كلمة بعد كلمة على ما وضعت عليه من المرتبة في اللغة. والقراءة جمع كلمة الى كلمة بما يسمع من الحروف المفصلة، وهو قولهم قرأت النجوم إذا اجتمعت وظهرت، ويقولون: ما قرأت الناقة سلا قط أي ما جمعت رحمها على ولد. والبيان هو الأدلة. وقيل: هو ما أبان المعنى للنفس بما يفصل من غيره، وهو من قولهم: أبان العضو من غيره إذا قطعه منه.
وقوله { ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات } يعني ظلمات الكفر إلى نور الايمان، وذلك يدل على فساد قول المجبرة: إن الله تعالى بعث الانبياء ليكفر بهم قوم ويؤمن آخرون. وإنما خص { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } بالاخراج، لانهم الذين خرجوا بدعائهم من الكفر إلى الايمان. والنور - ها هنا - نور الحق الذي يهدي إلى الرشد والجنة، كما يهدي نور الشمس إلى المواضع المقصودة والظلمة - ها هنا - الباطل الذي يعود إلى الغي، كما يعود الظلام من مر فيه من غير دليل الى الهلاك.
ثم قال { ومن يؤمن بالله } أي من يصدق بوحدانيته وإخلاص العبادة له { ويعمل صالحاً } أي يعمل الاعمال الصالحات { يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } جزاء على ذلك وثواباً عليه { خالدين فيها } نصب على الحال { أبداً } أي مؤبدين لا آخر لنعيمهم { قد أحسن الله لهم رزقاً } أي اجزل الله لهم ما ينتفعون به ولا يمنعون منه، فالرزق النفع الجاري فى الحكم، فلما كان النفع للؤمنين فى الجنة جارياً فى حكم الله كان رزقاً لهم منه.
وقوله { الله الذي خلق سبع سماوات } اخبار من الله تعالى انه الذي انشأ سبع سموات { ومن الأرض مثلهن } أي وخلق من الارض مثلهن فى العدد لا في الكيفية، لأن كيفية السماء مخالفة لكيفية الأرض. والمثل ما سدّ مسدّ غيره فيما يرجع الى ذاته.
وقوله { يتنزل الأمر بينهن } معناه يتنزل الأمر بالتدبير من الله بين السموات وبين الارضين، بحياة بعض وموت بعض، وغنى إنسان وفقر غيره، وسلامة حي وهلاك آخر، وتصريف الأمور على الحكمة لا يكون إلا من قادر عالم وهو معنى قوله { لتعلموا أن الله على كل شيء قدير } فالقادر، هو من كان له مقدور يصح منه إيقاعه على بعض الوجوه كما ان السامع هو من له مسموع موجود والقدير عبارة عمن يجب أن يكون قادراً على ما يصح ان يكون مقدوراً له كـ { سميع } يفيد أنه على صفة يجب ان يسمع لأجلها ما يصح ان يكون مسموعاً.
وقوله { وإن الله قد أحاط بكل شيء علماً } معناه إن معلوماته متميزة له بمنزلة ما قد أحاط به فلم يفته منه شيء، ومثله
{ ولا يحيطون به علماً } أي إنه ليس بمنزلة ما يحضره العلم بمكانه، فيكون كأنه قد احاط به وقوله { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } معناه ولا يحيطون بشيء من معلومه إلا بما شاء أن يضطرهم اليه أو يدلهم عليه، فهو تذكير بالنعمة أي لا ينالون هذه المنزلة إلا بمشيئة، ولولا ذلك لا يعلمون شيئاً من معلوماته إلا بما شاء، لكن لما دخل التذكير بالنعمة حسن من هذه الجهة وليس فى القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع، غير هذه - ذكره الجبائي - وقوله { لتعلموا أن الله على كل شيء قدير } دليل على بطلان مذهب المجبرة في أن الله أراد من قوم أن يجهلوا كونه على هذه الصفة، لانه تعالى بين انه ذكر ما تقدم وصفه ليعلم المكلفون أجمعون { أن الله على كل شيء قدير وان } تعالى قادر { قد أحاط بكل شيء علماً } وعلى مذهب المجبرة إن الله تعالى أراد من جماعة الكفار خلاف ذلك وأراد منهم ان يجهلوه ويجهلوا صفاته وذلك خلاف الظاهر. وقوله { علماً } نصب على المصدر ودل عليه قوله تعالى { أحاط بكل شيء علماً } كأنه قال: علم كل شيء علماً.