التفاسير

< >
عرض

وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
١١
وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ
١٢
-التحريم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل البصرة وحفص عن عاصم ونافع فى رواية خارجة { وكتبه } على الجمع. الباقون "وكتابه" على واحد، لانه إسم جنس يقع على القليل والكثير. والفائدة في هذه الآية، وفي الآية التي قبلها: أن احداً لا ينفعه إلا عمله ولا يؤخذ بجرم غيره، ولا يثاب على طاعة غيره، وإن كان خصيصاً به وملازماً له. وتبين ان امرأة نوح وامرأة لوط لم ينفعهما قربهما من نبيين واختصاصهما والتصاقهما بهما، لما كانتا كافرتين عاصيتين لله تعالى بل عاقبهما الله بالنار بكفرهما وسوء أفعالهما.
وبين في هذه الآية أن كفر فرعون لم يتعدّ إلى زوجته لما كانت مؤمنة طائعة لله تعالى خائفة من عقابه، بل نجاها الله من عقابه وأدخلها الجنة على إيمانها وطاعتها، فضرب المثل الاول للكفار لما كانت المرأتان كَافرتين، وضرب المثل الثاني للمؤمنين، لما كانت امرأة فرعون مؤمنة، فقال { وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون } واسمها آسية. والمثل قول سائر يشبه فيه حال الثاني بالاول. فهذه الآية فيها قول فيه تشبيه حال المؤمنة التي زوجها كافر بحال امرأة فرعون في انه لا يضرها كفره مع قربها منه، كما أن امرأة نوح وأمرأة لوط، لم ينفعهما نبوتهما وإيمانهما حين كانتا كافرتين.
وقوله { إذ قالت } أي حين قالت امرأة فرعون داعية الله { رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني } أي وخلصني { من فرعون وعمله } يعني من مثل سوء عمله { ونجني من القوم الظالمين } يعني الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله واستحقوا لذلك العقاب. وإنما دعت بالخلاص من عمل الكفار بأن سألت الله تعالى أن يلطف لها في التمسك بالايمان، وألا تعتر بتمكين الله لفرعون وكفار قومه وطول سلامته وسوابغ نعمته عليهم والانس به لطول مخالطته وصحبته، فربما أفتنت من هذه الوجوه، فدعت بهذا ليلطف الله لها في ذلك وتبقى على التمسك بالايمان.
وقوله { ومريم ابنت عمران } يحتمل ان يكون عطفاً على قوله { امرأة فرعون } فلذلك نصبه. والعامل { وضرب } فكأنه قال: وضرب مثلا مريم ابنت عمران، ويحتمل ان يكون نصباً على تقدير واذكر أيضاً مريم بنت عمران { التي أحصنت فرجها } فاحصان الفرج منعه من دنس المعصية يقال: أحصن يحصن إحصاناً، ومنه الحصن الحصين، لأنه بناء منيع، والفرس الحصان الذي يمنع من ركوبه إلا مقتدراً على تلك الحال، وامرأة حصان - بفتح الحاء - لأنها تمنع من لمس الحرام.
وقوله { فنفخنا فيه من روحنا } قال قتادة معناه فنفخنا في جيبها من روحنا وقال الفراء: كل شق فهو فرج فاحصنت فرجها منعت جيب درعها من جبرائيل عليه السلام والظاهر انه أراد الفرج الذي يكنى عنه. وقوله { فيه } يعني في الفرج، فلذلك ذكر في الانبياء { فيها } لأنه رده إلى التي أحصنت فرجها. وقيل: إن جبرائيل عليه السلام نفخ في فرجها، فخلق الله - عز وجل - فيه المسيح { وصدقت بكلمات ربها } يعني بما تكلم الله به، وأوحاه إلى انبيائه وملائكته { وكتبه } أي وصدقت بكتبه التي أنزلها على انبيائه. فمن قرأ { وكتبه } جمع لانها كتب مختلفة. ومن وحد ذهب إلى الجنس، وهو يدل على القليل والكثير { وكانت من القانتين } وإنما لم يقل من القانتات لتغليب المذكر على المؤنث، فكأنه قال من القوم القانتين، فالقانت المقيم على طاعة الله. وقيل: معناه الداعي لله فى كل حال، وقال الحسن: رفع الله آسية إمرأة فرعون إلى الجنة، فهي تأكل وتشرب وتنعم فيها إلى يوم القيامة، فنجاها الله أكرم النجاة. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال
"حسبك من نساء العالمين أربع: مريم ابنت عمران، وآسية إمرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله" وروي أن فرعون امر أن تسمر آسية بأربع مسامير ويرفع فوقها حجر الرخام، فان رجعت عن قولها وإلا أرسل عليها الحجر فأراها الله منزلها من الجنة، فاختارت الجنة فنزع الله روحها، فلما ارسل الحجر وقع على جسد ميت.