التفاسير

< >
عرض

وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٦
إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ
٧
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ
٨
قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ
٩
وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ
١٠
فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ
١١
-الملك

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو جعفر والكسائي { فسحقاً } بضم الحاء مثقل. الباقون بالتخفيف، وهما لغتان.
لما ذكر الله تعالى ما أعد للشياطين من عذاب السعير، ذكر عقيبه وعيد الكفار وما أعد لهم لاتصال ذلك بوعيد النار، فقال { وللذين كفروا } يعني بتوحيد الله وإخلاص عبادته وجحدوا نبوة رسله وما جاءوا به { عذاب جهنم } ثم قال { وبئس المصير } أي بئس المآل والمرجع. وإنما وصفه بـ { بئس } وهي من صفات الذم، والعقاب حسن، لما في ذلك من الضرر الذى يجب على كل عاقل أن يتقيه بغاية الجهد واستفراغ الوسع ومع هذا ليس يخفى المراد فى ذلك على أحد. ولا يجوز قياساً على ذلك أن يوصف به الفاعل، لأنه لا يوصف به الفاعل إلا على وجه الذم، لانه لا يقال: بئس الرجل إلا لمن كان مستحقاً للذم من حيث أن القادر قادر على الضدين.
ووجه الحكمة في فعل العقاب ما فيه من الزجر المتقدم للمكلف، ولا يمكن ان يكون مزجوراً إلا به ولولاه لكان مغرى بالقبيح.
ثم قال تعالى { إذا ألقوا فيها } ومعناه إذا طرح الكفار فى النار { سمعوا لها } يعني للنار { شهيقاً } وصوتاً فظيعاً بنفس كالنزع، فاذا اشتد لهيب النار سمع لها ذلك الصوت كأنها تطلب الوقود، قال رؤبة:

حشرج فى الجوف سحيلا او شهق حتى يقال ناهق وما نهق

وقال ابو العالية: الشهيق فى الصدر، والزفير فى الحلق وقوله { وهي تفور } أي ترتفع، فالفور ارتفاع الشيء بالغليان، يقال: فارت القدر تفور فوراً ومنه الفوارة لارتفاعها بالماء ارتفاع الغليان. وفار الدم فوراناً، وفار الماء يفور فوراً.
وقوله { تكاد تميز من الغيظ } أي تكاد النار تتفرق وتنقطع من شدتها، وسمى شدتها والتهابها غيظاً لأن المغتاظ هو المتقطع بما يجد من الألم الباعث على الايقاع لغيره، فحال جهنم كحال المغتاظ، فالتميز التفرق والتمييز التفريق. وقال ابن عباس { تميز } أي تفرق، وهو قول الضحاك وابن زيد.
وقوله { كلما ألقي فيها فوج } يعني كلما طرح فى النار فوج من الكفار { سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } يعني تقول لهم الملائكة الموكلون بالنار على وجه التبكيت لهم فى صيغة الاستفهام: ألم يجئكم مخوف من جهة الله يخوفكم عذاب هذه النار؟! فيقولون فى جوابهم { بلى قد جاءنا نذير } أي مخوف معلم { فكذبنا } ولم نصدقه ولم نقبل منه { وقلنا ما أنزل الله من شيء } مما تدعوننا اليه وتحذروننا منه فتقول لهم الملائكة { إن أنتم إلا في ضلال كبير } أي لستم اليوم إلا في عذاب عظيم. { وقالوا } أيضاً يعني الكفار { لو كنا نسمع } من النذر ما جاؤنا به { او نعقل } ما دعونا اليه وعملنا به { ما كنا في أصحاب السعير } فقال الله تعالى { فاعترفوا بذنبهم } يعني أقر اهل النار بمعاصيهم في ذلك الوقت الذي لم ينفعهم الاعتراف. فالاعتراف هو الاقرار بالشيء عن معرفة، وذلك ان الاقرار مشتق من قرّ الشيء يقرّ قراً إذا ثبت، فالمقر في المعنى مثبت له والاعتراف مأخوذ من المعرفة. فقال الله تعالى { فسحقاً لأصحاب السعير } أي بعداً لهم عن الخير وعن ثواب الله ونعمه، فكأنه قال اسحقهم الله سحقاً او ألزمهم الله سحقاً عن الخير فجاء المصدر على غير لفظه، كما قال الله تعالى
{ والله أنبتكم من الأرض نباتاً } وتقديره فأسحقهم الله إسحاقاً لأنه مأخوذ منه فأما سحقته سحقاً فمعناه باعدته بالتفريق عن حال اجتماعه بما صار اليه كالغبار. وليس لأحد أن يقول: ما وجه اعترافهم بالذنب مع ما عليهم من الفضيحة به؟! وذلك أنهم قد علموا انهم قد حصلوا على الفضيحة اعترفوا او لم يعترفوا وانهم سواء عليهم أجزعوا أم صبروا، فليس يدعوهم إلى أحد الأمرين إلا بمثل ما يدعوهم إلى الآخر في أنه لا فرج فيه، فلا يصلح أن يقال لم جزعوا إلا بمثل ما يصلح أن يقال لم صبروا، وكذلك لم اعترفوا بمنزلة لم لم يعترفوا على ما بيناه، والذنب مصدر لا يثنى ولا يجمع، ومتى جمع فلاختلاف جنسه، كما يقال غطاء الناس واغطيتهم.