التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
١٢
وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
١٣
أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ
١٤
هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ
١٥
-الملك

التبيان الجامع لعلوم القرآن

لما وصف الله تعالى الكفار وما أعده لهم من أليم العقاب، ذكر المؤمنين وما أعده لهم من جزيل الثواب، فقال { إن الذين يخشون ربهم } أي يخافون عذاب ربهم باتقاء معاصيه وفعل طاعاته { بالغيب } أي على وجه الاستسرار بذلك لان الخشية متى كانت بالغيب على ما قلناه كانت بعيدة من النفاق، وخالصة لوجه الله. وخشية الله بالغيب تنفع بأن يستحق عليها الثواب، والخشية في الظاهر وترك المعاصي لا يستحق بها الثواب وإنما لا يستحق عليها العقاب. وإنما الخشية في الغيب أفضل لا محالة.
وقوله { لهم مغفرة وأجر كبير } أي لمن خشي الله واتقاه بالغيب ستر الله على معاصيه ولهم ثواب كبير لا فناء له. وقيل: معنى { يخشون ربهم بالغيب } أي يخافونه، وهم لا يرونه. وقيل { بالغيب } أي في سرهم وباطنهم، ومن علم ضمائر الصدور علم إسرار القائل إلى غيره. وقال الحسن: معناه يخشون ربهم بالآخرة لانها غيب يؤمنون به، وكل من خشي ربه بالغيب خشيه بالشهادة، وليس كل من خشيه بالشهادة يخشى بالغيب.
ثم قال مهدداً للعصاة { وأسروا قولكم أو اجهروا به } ومعناه إن شئتم أظهروه وإن شئتم ابطنوه فانه عالم بذلك لـ { إنه عليم بذات الصدور } فمن علم ضمائر الصدور علم إسرار القول.
وقوله { ألا يعلم من خلق } معناه من خلق الصدور يعلم ما في الصدور ويجوز ان يكون المراد ألا يعلم من خلق الاشياء ما في الصدور. وقيل تقديره ألا يعلم سر العبد من خلقه يعني من خلق العبد، ويجوز أن يكون المراد ألا يعلم سر من خلق، وحذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه. ولا يجوز أن يكون المراد ألا يعلم من خلق افعال القلوب، لأنه لو أراد ذلك لقال ألا يعلم ما خلق، لانه لا يعبر عما لا يعقل بـ { من } ولا يدل ذلك على أن الواحد منا لا يخلق أفعاله من حيث أنه لا يعلم الضمائر، وإنا بينا أن المراد ألا يعلم من خلق الصدور أي خلق الاشياء والواحد منا لا يخلق ذلك فلا يجب أن يكون عالماً بالضمائر.
وقوله { وهو اللطيف الخبير } معناه هو اللطيف بعباده من حيث يدبرهم بلطف التدبير، فلطيف التدبير هو الذي يدبر تدبيراً نافذاً لا يخفو عن شيء يدبره به { الخبير } معناه العالم بهم وبأعمالهم.
ثم قال تعالى ممتناً على خلقه ومعدداً لأنواع نعمه عليهم { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً } يعني سهلا سهلها لكم تعملون فيها ما تشتهون { فامشوا في مناكبها } قال مجاهد: مناكبها طرقها وفجاجها. وقال ابن عباس وقتادة: مناكبها جبالها { وكلوا من رزقه } صورته صورة الأمر والمراد به الاباحة والأذن، أذن الله تعالى أن يأكلوا مما خلقه لهم وجعله لهم رزقاً على الوجه الذي أباحه لهم { وإليه النشور } أي إلى الله المرجع يوم القيامة واليه المآل والمصير فيجازي كل واحد حسب عمله. وفي ذلك تهديد.