التفاسير

< >
عرض

ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ
١٦
أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ
١٧
وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ
١٨
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ
١٩
أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ
٢٠
أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ
٢١
-الملك

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير { وإليه النشور وأمنتم } بواو في الوصل قلباً لهمزة الاستفهام واواً لضم ما قبلها. وقرأ اهل الكوفة واهل الشام بهمزتين على أصولهم. الباقون بتحقيق الأولى وتخفيف الثانية.
يقول الله تعالى مهدداً للمكلفين وزاجراً لهم عن إرتكاب معاصيه والجحد لربوبيته على لفظ الاستفهام والمراد به تفخيم الامر وتعظيم التبكيت { أأمنتم من في السماء } فالأمن هو اطمينان النفس إلى السلامة من الخوف، والأمن علم بسلامة النفس من الضرر يقال أمن يأمن أمناً وأمنه يؤمنه إيماناً وأماناً، والمعنى أأمن من فى السماء سلطانه وامره ونهيه، كما قال
{ وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم } أي وهو الله في السموات وفي الأرض معلومه، لا يخفى عليه شيء منه. وقيل: ايضاً يجوز ان يكون المراد { أأمنتم من في السماء } يعني الملك الكائن فى السماء { أن يخسف بكم الأرض } بأمر الله، فاذا هي تمور أي تردد، فالمور هو التردد في الذهاب والمجيء، يقال: مار يمور موراً فهو مائر، ومثله ماج يموج موجاً.
وقوله { أأمنتم من السماء أن يرسل عليكم حاصباً } فالحاصب الحجارة التي يرمى بها كالحصباء، حصبه بالحصباء يحصبه حصباً إذا رماه بها. ويقال للذى يرمى به حاصب أي ذو حصب كأن الحجر هو الذي يحصب. وقيل: تقديره آمنوا قبل ان يرسل عليكم حاصباً، كما أرسل على قوم لوط حجارة من السماء.
وقوله { فستعلمون كيف نذير } فيه تهديد أي ستعرفون كيف تخويفي وترهيبي إن عصيتموني إذا صرتم إلى عذاب النار. ثم قال مقسماً { ولقد كذب الذين من قبلهم } أي جحد من قبل هؤلاء الكفار من الأمم وحدانيتي واشركوا بي غيري في العبادة وكذبوا رسلي { فأهلكتهم } واستأصلتهم { فكيف كان نكير } أي ألم اهلكهم بضروب النقمات والمثلاث.
ثم قال منبهاً لهم على توحيده { أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات } أي مصطفاة فوق رؤسهم في الجو باسطات أجنحتهم { ويقبضن } أي يضربن بها. أى من الطير ما يضرب بجناحيه فيدف، ومنه الصفيف والدفيف { ما يمسكهن إلا الرحمن } أى ليس يمنعهن من السقوط إلى الارض إلا الرحمن الذى خلق لهم الالات التي يصفون بها ويدفون، وما خلق فيها من القدرة على ذلك، ولولا ذلك لسقطت إلى الارض. وقيل معنى ما يمسكهن إلا الرحمن بتوطئة الهواء لها، ولولا ذلك لسقطت، وفي ذلك أكبر دلالة، وأوضح عبرة بأن من سخر الهواء هذا التسخير هو على كل شيء قدير. والصف وضع الاشياء المتوالية على خط مستقيم، والقبض جمع الشيء من حال البسط. والامساك اللزوم المانع من السقوط.
وقوله { إنه بكل شيء بصير } اخبار منه تعالى انه عالم بجميع الاشياء لا يخفى عليه شيء منها { بصير } بما للخلق من النفع والضر. ثم قال { أمّن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن } أى من لكم معاشر الكفار يدفع عنكم عذاب الله إذا حل بكم { إن الكافرون إلا في غرور } معناه ليس الكافرون بالله العابدون للأوثان إلا في غرور أى يتوهمون أن ذلك أنفع لهم والأمر على خلاف ذلك من المكروه.
ثم قال { أم من هذا الذى يرزقكم إن أمسك } الله { رزقه } بأن يزيله ويمنعه منكم، فينزل عليكم رزقه { بل لجوا في عتو ونفور } فاللجاج تقحم الامر كثيراً رداً للصارف عنه، يقال لجج في الأمر يلج لجاجاً، وقد لاجه ملاجة ولجج فلان في الحرب فهو يلج تلجيجاً. ولما كان لهؤلاء المشركين صوارف كثيرة من عبادة الأوثان وهم يتقحمون على ذلك العصيان كانوا قد لجوا في عتوهم. والعتو الطغيان وهو الخروج الى فاحش الفساد، يقال: عتا يعتو عتواً فهوعات وجمعه عتاة. والنفور الخروج عن الشيء هرباً من الشعور بضرره، ونقيض النفور القبول وقال الجبائي: قوله { أمن هذا الذي } إلى قوله { إن أمسك رزقه } تعريف حجة عرفها الله لعباده فعرفوا وأقروا بها، ولم يردوا لها جواباً فقال الله { بل لجوا في عتو ونفور }.