التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ
٢٧
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
٢٨
قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢٩
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ
٣٠
-الملك

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ يعقوب { تدعون } خفيفة. الباقون بالتشديد. وقرأ الكسائي { فسيعلمون من هو } بالياء على الغيبة. الباقون بالتاء على الخطاب، أي قل لهم.
لما حكى الله تعالى عن الكفار أنهم استبطؤا عذاب الله واهلاكه لهم مستهزئين بذلك، فقالوا متي هذا الوعد، قال الله تعالى حاكياً عنهم إذا رأوا ما يوعدون به { فلما رأوه زلفة } قال الحسن: معناه معاينة. وقال مجاهد: يعني قريباً. والزلفة المنزلة القريبة والاصل فيه القرب، يقال: أزدلف اليه أزدلافاً إذا تقرب اليه، ومنه (مزدلفة) لانها منزلة قريبة من مكة، وجمع زلفة زلف، قال العجاج:

ناج طواه الاين مما وجفا طيّ الليالي زلفا فزلفا
سماوة الهلال حتى احقوقفا

وقوله { سيئت وجوه الذين كفروا } أي ظهر فيها ما يفهم من الكآبة والحزن تقول: ساء يسوء سوأ، ومنه السوائي، ومنه أساء يسيء إساءة، فهو مسيء إذا فعل قبيحاً يؤدي إلى الغم { وقيل هذا الذي كنتم به تدعون } أي ويقال لهؤلاء الكفار إذا شاهدوا العذاب { هذا الذي كنتم به تدعون } أي تطلبون به خلاف ما وعدتم به على طريق التكذيب بالوعد: كأنه قيل هذا الذى كنتم به تكذبون في إدعائكم انه باطل. والادعاء الاخبار بما يوعد اليه القائل دون المعنى، فاذا ظهر دليله خرج من الادعاء لانه حينئذ يدعو إليه المعنى، وكذلك الاخبار بما يدعو إلى نفسه في الفعل ليس بدعوى، قال الزجاج: { تدّعون } يجوز ان يكون يريد يفعلون من الدعاء، ويجوز أن يكون من الدعوى، قال الفراء: والتشديد والتخفيف واحد مثل تذكرون وتذكرون وتدخرون وتدخرون.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله { قل } لهم يا محمد { أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي } بان يميتنا { أو رحمنا } بتأخير آجالنا ما الذى ينفعكم من ذلك في رفع العذاب الذى استحققتموه من الله فلا تعللوا في ذلك بما لا يغني عنكم شيئاً. وقيل إن الكفار كانوا يتمنون موت النبي وموت أصحابه فقيل لهم { أرأيتم إن أهلكني الله } باماتتي وإماتة اصحابي فما الذى ينفعكم ذلك في النجاة من عذاب أليم. وقل لهم { فمن } الذي { يجير الكافرين من عذاب أليم } حتى لا يعذبوا ولا يعاقبوا، فلا يمكنهم الاحالة على من يجيرهم من الله ويخلصهم من عذابه.
ثم قال { قل } لهم على وجه الانكار عليهم والتوبيخ لهم على فعلهم { هو الرحمن } يعني الله تعالى هو الذي عمت نعمه جميع الخلائق واستحق الوصف بالرحمن { آمنا به } أي صدقنا بوحدانيته { وعليه توكلنا } أى اعتمدنا عليه وفوضنا أمورنا اليه، فالتوكل الاعتماد على تفضل الله وحسن تدبيره وقل لهم { فستعلمون } معاشر الكفار { من } الذى { هو في ضلال مبين } أى بين. ومن قرأ بالياء معناه فسيعلم الكفار ذلك.
ثم قال { قل } لهم يا محمد { أرأيتم } معاشر الكفار { إن أصبح ماؤكم غوراً } أى غائراً وصف الغائر بالغور الذى هو المصدر مبالغة، يقال ماء غور، وماآن غور، ومياه غور كما يقال: هؤلاء زور فلان وضيفه، لانه مصدر - فى قول الفراء وغيره - { فمن يأتيكم بماء معين } معناه من الذى يجيئكم بماء معين إذا غارت مياهكم. قال قوم: الماء المعين الذى تراه العيون. وقال قتادة والضحاك: هو الجارى، فالاول مفعول من العين، كمبيع من البيع، والثاني من الامعان فى الجرى، ووزنه (فعيل) كأنه قال ممعن في الجرى والظهور، وقال الحسن أصله من العيون. قال الجبائي قوله { قل أرايتم إن أصبح ماؤكم غوراً } تعريف حجة الله لعباده عرفوها وأقروا بها ولم يردوا لها جواباً.