التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ
٢٦
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
٢٧
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ
٢٨
قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٢٩
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ
٣٠
قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ
٣١
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ
٣٢
كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٣٣
-القلم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى مخبراً إن أولئك الكفار بنعم الله لما نادى بعضهم بعضاً وانطلقوا إلى صرم ثمارهم وتساروا ألا يدخل عليهم مسكين يطلب منهم { فلما رأوها } أي حين جاؤا وجدوا البستان كالليل الأسود قالوا أهلكه الله وطرقه طارق من أمر الله فاهلكه، فلما رأوا تلك الجنة على تلك الصورة { قالوا إنا لضالون } أي اعترفوا بأنهم قد عدلوا عن طريق الحق وجازوا عن سبيل الواجب وذهبوا عن طريق الرشاد. ثم استدركوا فقالوا { بل نحن محرومون } ما كان لنا فى جنتنا، وتقديره إنا لضالون عن الحق فى أمرنا فلذلك عوقبنا بذهاب ثمرها، والضلال الذهاب عن طريق الرشاد إلى طريق الهلاك بالفساد. والحرمان منع الخير الذي كان ينال لولا ما حدث من سبب الانقطاع، يقال: حرمه يحرمه حرماناً فهو محروم فى خلاف المرزوق. وقال قتادة: معنى قوله { إنا لضالون } أي اخطأنا الطريق ما هذه جنتنا، فقال بعضهم لبعض { بل نحن محرومون } وقوله { قال أوسطهم } معناه قال أعدلهم قولا - فى قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والضحاك - والاوسط الكائن بين الاكبر والاصغر. والمراد ها هنا بين الاكبر والاصغر فى الخروج عن القصد { ألم أقل لكم } على وجه التهجين لهم أما قلت لكم { لولا تسبحون } أى هلا تستثنون، والتسبيح التنزيه لله عما لا يجوز عليه من صفة، وهو التنزيه عن كل صفة ذم ونقص، فلذلك جاز أن يسمى الاستثناء بأن يشاء الله تسبيحاً. وقيل معناه لولا تصلون.
ثم حكى انهم { قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين } ومعناه إنهم اعترفوا أن الله لم يظلمهم وانهم ظلموا انفسهم فى عزمهم على حرمان المساكين من حصتهم عند الصرام من غير استثناء، فحرموا قطعها والانتفاع بها،
ثم قال { فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون } أي يلوم بعضهم بعضاً ويذم بعضهم بعضاً. ثم { قالوا يا ويلنا } والويل غلظ المكروه الشاق على النفس، والويس دونه. والويح وسط بينهما، وإنما نودي بالويل بياناً عن حال الشدة، كأنه يقول يا ويل تعال فانه من أحيانك { إنا كنا طاغين } أي علونا فى الظلم وتجاوزنا الحد فيه، فالطغيان العلو في الظلم والداعي اليه طلب الارتفاع بغير استحقاق بالقهر والاعتصاب. وقيل: الطاغي المتجاوز للحد في الفساد وقال عمرو بن عبيد: يجوز أن يكون ذلك منهم توبة وإيماناً، ويجوز أن يكون ذلك على حد ما يقول الكافر إذا وقع في الشدة. ثم قالوا { عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها } أي لما تابوا ورجعوا إلى الله قالوا لعل الله تعالى يخلف علينا ويولينا خيراً من الجنة التي هلكت { إنا إلى ربنا راغبون } أي نرغب اليه ونسأله ونتوب اليه مما فعلناه. فالتبديل تثبيت شيء مكان غيره مما ينافيه، بدّله تبديلا فهو مبدل. ومثله التغير إلا أن التبديل لا يكون إلا في شيئين والتغير قد يكون للشيء الواحد.
وقرئ بالتشديد والتخفيف، فالتخفيف من الابدال، والتشديد من التبديل ومعناهما واحد.
وقوله { كذلك العذاب } معناه مثل ما فعلنا بهؤلاء هذا العذاب عاجلا في دار الدنيا، ثم قال { ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } إن هناك عقاباً وعذاباً. وخير من كذا أي اعظم نفعاً منه وأحسن في العقل، ومثله الاصلح والاولى والأجل، والاكبر هو الذي يصغر مقدار غير منه بالاضافة اليه. وقد يكون أكبر شأناً واكبر شخصاً.