التفاسير

< >
عرض

إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٣٤
أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ
٣٥
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
٣٦
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ
٣٧
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ
٣٨
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ
٣٩
سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ
٤٠
-القلم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

لما اخبر الله تعالى ما حل بالكفار، وما هو معد لهم في الآخرة أخبر بما للمؤمنين من أهل الطاعات، فقال { إن للمتقين } يعني للذين أمنوا عقاب الله باتقاء معاصيه وفعل طاعاته { عند ربهم جنات النعيم } أي بساتين يتنعمون فيها ويتلذذون بها. ثم قال على وجه الانكار على الكفار وانه لا يسوى بينهم وبين المؤمنين فقال { أفنجعل المسلمين } الذين أسلموا لله وانقادوا لطاعته وامتثلوا ما أمرهم به { كالمجرمين } أى مثل من عصاه وخرج عن طاعته وارتكب ما نهاه عنه؟! فهذا لا يكون أبداً. وقوله { ما لكم كيف تحكمون } تهجين لهم وتوبيخ. ومعناه أعلى حال الصواب أم على حال الخطاء؟ وعلى حال الرشاد أم الغي، فعلى أي حال تحكمون في الاحوال التي تدعون إلى الفعل أحال الباطل أم حال الحق؟ وقوله { أم لكم كتاب فيه تدرسون } معناه ألكم كتاب تدرسون فيه خلاف ما قد قامت عليكم الحجة به فأنتم متمسكون به ولا تلتفتون إلى خلافه؟! وليس الأمر على ذلك فاذ قد عدمتم الثقة بما أنتم عليه، وفي هذا عليكم أكبر الحجة وأوكد الموعظة، لأن الكتاب الذي تقوم به الحجة حتى لا يجوز خلافه إلى أن تقوم الساعة هو الذي تشهد له المعجزة من غير اجازة نسخ له في حال ثانية، وهو القرآن الذي فيه معنى الاعجاز من غير نسح له فيما بعد في باقى الزمان.
وقوله { إن لكم فيه لما تخيرون } يحتمل امرين:
احدهما - أن يكون تقديره أم لكم كتاب فيه تدرسون بأن لكم ما تخيرون إلا انه حذفت الباء وكسرت (إن) لدخول اللام في الخبر،
الثاني - ان يكون ذلك خرج مخرج التوبيخ، وتقديره وإن لكم لما تخيرون عند أنفسكم، والأمر بخلاف ظنكم،، لانه لا يجوز ان يكون ذلك خبراً مطلقاً.
وقوله { أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون } كسرت (إن) لدخول اللام في الخبر، والحكم خبر بمعنى يفصل الأمر على جهة القهر والمنع وأصله المنع من قول الشاعر:

ابني حنيفة احكموا سفهاءكم إني اخاف عليكم ان اغضبا

أي امنعوهم. ومنه الحكمة، لانها معرفة تمنع الفساد يصرفها عنه بما يذم به. والحكمة في الفعل المنعة من الفساد منه، ومنه حكمة الدابة لمنعها إياها من الفساد.
وقوله { سلهم أيهم بذلك زعيم } قال ابن عباس وقتادة: زعيم أي كفيل والزعيم والكفيل والضمين والقبيل نظائر. والمعنى سلهم أيهم زعيم ضامن يدعي علينا ان لهم علينا أيماناً بالغة؟ فلا يمكنهم ادعاء ذلك.