التفاسير

< >
عرض

أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
٤١
يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ
٤٢
خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ
٤٣
فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٤
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
٤٥
-القلم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قوله { أم لهم شركاء } توبيخ لهؤلاء الكفار وإنكار عليهم إتخاذ إله مع الله وتوجيه عبادتهم اليه، فقال { أم لهم شركاء } في العبادة مع الله { فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين } أي شركاؤهم الذين تفوم بهم الحجة، فلا سبيل لهم إلى ذلك فالحجة لازمة عليهم لأن كل دعوى لم يمكن صاحبها أن يقيم البينة عليها فيلزمه أن يقيمها بغيره. والشريك عبارة عمن يختص بمعنى هو له ولغيره من غير إنفراد به. وإنما قلنا من غير إنفراد به لنفرق بين ما هو له ولغيره هو له ايضاً كالغفران هو لهذا التائب ولتائب آخر، ولهذا التائب مطلقاً، فليس فيه شريك، وكذلك هذا العبد هو ملك لله تعالى، ولهذا المولى، وهو لله على الاطلاق، فليس في هذا شركة وإنما قيل الشركاء في الدعوى، لانها مما لو انفرد بعضهم عن ان يدعيها لم يدعها الآخر، كأنهم تعاونوا عليها، فعلى هذا يحتمل أن يكون المعنى في الآية أم لهم شركاء يدعون مثل ما يدعيه هؤلاء الكفار، فليأتوا بهم إن كانوا صادقين أي شركاءهم الذين تقوم بهم الحجة، ولا سبيل لهم إلى ذلك فهو لازم عليهم.
وقوله { يوم يكشف عن ساق } قال الزجاج: هو متعلق بقوله { فليأتوا بشركائهم.. يوم يكشف عن ساق } وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك: معنا يوم يبدو عن الامر الشديد كالقطيع من هول يوم القيامة. والساق ساق الانسان وساق الشجرة لما يقوم عليه بدنها وكل نبت له ساق فهو شجر قال الشاعر:

للفتى عقل يعيش به حيث يهدي ساقه قدمه

فالمعنى يوم يشتد الامر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى ان يقوم على ساق، وقد كثر في كلام العرب حتي صار كالمثل فيقولون: قامت الحرب على ساق وكشفت عن ساق قال [زهير بن جذيمة].

فاذا شمرت لك عن ساقها فويهاً ربيع ولا تسأم

وقال جدّ ابي طرفة:

كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشر الصراح

وقال آخر:

قد شمرت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا
والقوس فيها وتر غرد

وقوله { ويدعون إلى السجود } قيل: معناه إنه يقال لهم على وجه التوبيخ: اسجدوا { فلا يستطيعون } وقيل: معناه إن شدة الامر وصعوبة الحال تدعوهم إلى السجود، وإن كانوا لا ينتفعون به. ثم قال { خاشعة أبصارهم } أي ذليلة ابصارهم لا يرفعون نظرهم عن الارض ذلة ومهانة { ترهقهم ذلة } معناه تغشاهم ذلة يقال: رهقه يرهقه رهقاً، فهو راهق إذا غشيه، ورهقه الفارس إذا أدركه، وراهق الغلام إذا أدرك.
وقوله { وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون } يعني دعاهم الله تعالى إلى السجود والخضوع له في دار الدنيا وزمان التكليف، فلم يفعلوا، فلا ينفعهم السجود فى ذلك الوقت.
وقوله { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث } تهديد، ومعناه ذرني والمكذبين أي اوكل أمرهم إلي كما يقول القائل: دعني وإياه.
وقوله { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } معناه سآخذهم إلى العقاب حالا بعد حال.
وقوله { واملي لهم } أي واطيل آجالهم وأؤخرها { إن كيدي متين } أي قوي، فكانه قال سنستدرج أعمالهم إلى عقابهم وإن أطلناها لهم نستخرج ما عندهم قليلا قليلا. وأصله من الدرجة، لان الراقي ينزل منها مرقاة مرقاة فأشبه هذا. ووجه الحكمة فى ذلك أنهم لو عرفوا الوقت الذي يؤخذون فيه لكانوا آمنين إلى ذلك الوقت، وصاروا مغربين بالقبيح، والله تعالى لا يفعل ذلك.