التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ
١٩
إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ
٢٠
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ
٢١
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ
٢٢
قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ
٢٣
كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ
٢٤
-الحاقة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قال الفراء: نزلت هذه الآية فى أبي سلمة بن عبد الأسود، وكان مؤمناً، وكان أخوه الأسود بن عبد الاسود كافراً، نزلت فيه الآية التي بعدها.
قسم الله تعالى حال المكلفين يوم القيامة، فقال { فأما من أوتي }أي اعطي { كتابه } الذي فيه أعماله { بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا } قال ابن زيد: يقول المكلف تعالوا اقرأوا { كتابيه } ليعلمهم انه ليس فيه إلا الطاعات، فلا يستحيون أن ينظر فيها غيرهم، واهل الحجاز يقولون: ها يا رجل، وللاثنين هاؤما، وللجمع هاءموا، وللمرأة هاء - بهمزة - وليس بعدها ياء، وللمرأتين هاؤما، وللجماعة هاؤن يا نسوة. وتميم وقيس يقولون: ها يا رجل مثل قول أهل الحجاز، وللاثنين هاءا، وللثلاثة هاءوا، وللمرأة هائي، وربما قالوا: هاء يا هذه، وللثلاثة هان. وبعض العرب يجعل مكان الهمزة كافاً، فيقول: هاك بغير همزة، ويؤمر بها ولا ينهى و (هاء) بمنزلة خذ وتناول. ووقف الكسائي على { هاؤم } وابتدأ { اقرءوا واكتابيه }.
ويقول أيضاً { إني ظننت أني ملاق حسابيه } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: معناه إني علمت، وإنما حسن هذا فيما يلزم العمل فيما يلزم العمل به لتأكد امره بالظن، كما يلزم بالعلم مع مقاومة الظن للعلم بالقوة فى النفس إلا أن العلم معه قوة ينتهي إلى الثقة الثابتة بسكون النفس. والمعنى اني كنت متيقناً فى دار الدنيا بأني ألقى حسابي يوم القيامة، واعلم أني اجازى على الطاعة بالثواب وعلى المعاصي بالعقاب، وأعمل بما يجب عليّ من الطاعات واجتناب المعاصي.
ثم اخبر تعالى عن حال من أعطي كتابه بيمينه فقال { فهو في عيشة راضية } أي فى عيشة مرضية تقول: عاش يعيش عيشاً وعيشة، وهي الحالة التي تستمر بها الحياة ومنه المعاش الذي يطلب التصرف له بعائد النفع عليه، وراضية معناه مرضية. فـ (فاعلة) بمعنى (مفعولة) لأنه فى معنى ذات رضاً، كما قيل: لابن وتامر، أي ذو لبن وذو تمر. قال النابغة:

كليني لهم يا أميمة ناصب وليل اقاسيه بطيء الكواكب

أي ذو نصب، فكأن العيشة أعطيت حتى رضيت، لانها بمنزلة الطالبة كما أن الشهوة بمنزلة الطالبة للمشتهى. وقيل: هو كقولهم: ليل نائم وسر كاتم وماء دافق، على وجه المبالغة فى الصفة من غير التباس في المعنى: فعلى هذا جاء عيشة راضية ولا يجوز على هذا القياس زيد ضارب بمعنى مضروب لانه يلتبس به.
وقوله { في جنة عالية } أي بستان أجنه الشجر مرتفعة، فالعلو الجهة المقابلة لجهة السفل. والعلو والسفل متضمن بالاضافة فيكون الغلو سفلا إذا أضفته إلى ما فوقه، ويكون علواً إذا اضيف إلى ما تحته،
وقوله { قطوفها دانية } أي اخذ ثمرها، فالقطف اخذ الثمرة بسرعة من موضعها من الشجر، وهو قطوفها، كأنه قال دانية المتناول، قطف يقطف قطفاً فهو قاطف، وقطف تقطيفاً. والدنو القرب، دنا يدنو دنواً فهو دان، وتدانيا تدانياً وأحدهما أدنى الينا من الآخر. وقال قتادة: معناه قطوفها دانية لا يرد أيديهم عن ثمرها بُعْدٌ ولا شوك.
ثم حكى تعالى ما يقال لهم فانه يقال لهم { كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم } وصورته صورة الأمر والمراد به الاباحة، كما قال
{ وإذا حللتم فاصطادوا } وقال قوم: انه أمر على الحقيقة، لان الله يريد من أهل الجنة الأكل والشرب لما لهم في ذلك من زيادة السرور إذا علموا ذلك. وإنما لا يريد ذلك في الدنيا، لانه عبث لا فائدة فيه.
وقوله { هنيئاً } معناه مريئاً ليس فيه ما يؤذي، فليس يحتاج فيه الى اخراج فضل لغائط ولا بول.
وقوله { بما أسلفتم } أي جزاء على ما عملتموه من الطاعة { في الأيام الخالية } أي الماضية في دار التكليف.