التفاسير

< >
عرض

الۤمۤصۤ
١
كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
٢
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قد بينا في أول سورة البقرة اختلاف المفسرين في أوائل السور بالحروف المقطعة، وقلنا: ان الاقوى من ذلك قول من قال: انها أسماء للسور، وهو قول الحسن والبلخي والجبائي، واكثر المحصلين. وروي عن ابن عباس أنه قال: هي اختصار من كلام لا يفهمه الا النبي (صلى الله عليه وسلم) قال الشاعر:

فادوهم أن الجموا ألا تا قالوا جميعا كلهم ألافا

يريد ألا تركبون قالوا فاركبوا. وبني قوله { المص } على السكون في الوصل مع ان قبله ساكنا، لان حروف الهجاء توصل على نية الوقف، لانه يجزي على تفصيل الحروف، للفرق بينها وبين ما وصل للمعاني، وكأن مجموع الحروف يدل على معنى واحد، ومتى سميت رجلا بـ (المص)، وجبت الحكاية. فان سميته بـ (صاد) أو (قاف) لم يجب ذلك، لان صاد، وقاف، لهما نظير في الاسماء المفردة، مثل، باب، وناب، ونار. وليس كذلك (المص) لانه بمنزلة الجملة، وليس له نظير في المفرد. وانما عد الكوفيون { المص } آية، ولم يعدوا (ص) لان { المص } بمنزلة الجملة مع ان آخره على ثلاثة أحرف بمنزلة المردف، فلما اجتمع هذان السببان، وكل واحد منهما يقتضي عدَّه عدوه. ولم يعدوا (المر) لان آخره لا يشبه المردف. ولم يعدوا (ص) لانه بمنزلة اسم مفرد، وكذلك (ق) و (ن).
وانما سميت السورة بالحروف المعجمة، ولم تسم بالاسماء المنقولة لتضمنها معاني أخرى مضافة الى التسمية، وهو أنها فاتحة لما هو منها، وأنها فاصلة بينها وبين ما قبلها، ولانه يأتي من التأليف بعدها ما هو معجز مع انه تأليف كتأليفها، فهذه المعاني من أسرارها.
وقيل في موضع (المص) من الاعراب قولان:
اولهما - انه رفع بالابتداء وخبره كتاب، او ان يكون على هذه (المص) في قول الفراء.
الثاني - لا موضع له، لانه في موضع جملة على قول ابن عباس، كأنه قال: أنا الله أعلم وافصل - اختاره الزجاج.
وقوله { كتاب أنزل إليك } قيل في العامل في قوله { كتاب } ثلاثة أقوال:
أحدها - هذا كتاب، فحذف لانها حال اشارة وتنبيه.
الثاني - { المص كتاب } على أنه اسم للسورة وكتاب خبره.
وقال الفراء: رفعه بحروف الهجاء، لانها قبله، كأنك قلت الالف واللام والميم والصاد، من الحروف المقطعة كتاب أنزل اليك مجموعا، فنابت (المص) عن جميع حروف المعجم، كما تقول: أ، ب، ت، ث ثمانية وعشرون حرفا. وكذلك تقول قرأت الحمد، فصار اسما لفاتحة الكتاب.
وقوله { فلا يكن في صدرك حرج } يحتمل دخول الفاء وجهين:
احدهما - أن يكون عطفا وتقديره اذا كان أنزل اليك لتنذر به، فلا يكن في صدرك حرج منه، فيكون محمولا على معنى اذا.
والثاني - ان النهي وان كان متناولا للحرج، فالمعني به المخاطب، نهي عن التعرض للحرج، وجاز ذلك لظهور المعنى ان الحرج لا ينهى، وكان مخرج له برده الى نهي المخاطب ابلغ، لما فيه من أن الحرج لو كان مما ينهي له لنهيناه عنك، فأنته انت عنه بترك التعرض له.
وقيل في معنى الحرج في الآية ثلاثة أقوال:
قال الحسن: معناه الضيق أي لا يضيق صدرك لتشعب الفكر بك خوفا ألا تقوم، بحقه، وانما أنزل اليك لتنذر به. الثاني - قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: ان معناه الشك ها هنا والمعنى لا تشك فيما يلزمك له فانما أنزل اليك لتنذر به.
الثالث - قال الفراء: لا يضيق صدرك بأن يكذبوك، كما قال - عزَّ وجلَّ - { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا }.
وقوله { لتنذر به } يعني لتخوف بالقرآن. وقال الفراء والزجاج واكثر أهل العلم: هو على التقديم والتأخير، وتقديره أنزل اليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين، والذكرى مصدر ذكر يذكر تذكيرا، فالذكرى اسم للتذكير وفيه مبالغة، ومثله الرجعى، وقيل في موضعه ثلاثة أقوال:
أولها - النصب على أنزل، للانذار وذكرى، كما تقول جئتك للاحسان وشوقا اليك.
الثاني - الرفع بتقدير وهو ذكرى.
الثالث - قال الزجاج: يجوز فيه الجر، لان المعنى، لان تنذر وذكرى. قال الرماني: هذا ضعيف، لانه لا يجوز ان يحمل الجر على التأويل، كما لا يجوز مررت به وزيد.