التفاسير

< >
عرض

وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ
١٠٢
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

معنى قوله { وما وجدنا } أي ما أدركنا، لان الوجدان والالفاء والادراك والمصادفة نظائر. وقوله { لأكثرهم من عهد } فالعهد العقد الذي تقدم لتوطين النفس على أداء الحق، واذا أخذ على الانسان العهد فنقضه، قيل ليس عليه عهد أي كأنه لم يعهد اليه، فلما كان الله تعالى اخذ عليهم العهد بما جعله في عقولهم من وجوب شكر المنعم والقيام بحق المنعم، وطاعة المالك المحسن في اجتناب القبائح الى المحاسن فألقوا ذلك لم يكن لهم عهد وكأنه قال وما وجدنا لاكثرهم من طاعة لانبيائهم - وقيل العهد ما عهد اليهم مع الانبياء ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وهو قول الحسن وابي علي. والمعنى في النفي يؤل الى انه لم يكن لاكثرهم عهد فيوجد.
وقوله { من عهد } قيل في دخول (من) ها هنا قولان:
احدهما - انها للتبعيض لانه اذا لم يوجد بعض العهد فلم يوجد الجميع لانه لو وجد جميعه لكان قد وجد بعضه.
الثاني - انها دخلت على ابتداء الجنس الى النهاية. وقوله { وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } معنى (ان) هي المخففة جاز الغاؤها من العمل وان يليها الفعل، لانها حينئذ قد صارت حرفا من حروف الابتداء. واللام في قوله { لفاسقين } لام الابتداء التي تكسر لها (ان) وانما جاز ان يعمل ما قبلها فيما بعدها، لانها مزحلقة عن موضعها اذ لها صدر الكلام ولكن كره الجمع بينها وبين (ان) فأخرت.
وقال قوم: المعنى وما وجدنا أكثرهم الا فسقة. فان قيل: كيف قال { أكثرهم لفاسقين } وهم كلهم فاسقون؟
قيل يجوز ان يكون الرجل عدلا في دينه غير متهتك ولا مرتكب لما يعتقد قبحه وتحريمه، فيكون تأويل الآية وما وجدنا أكثرهم - مع كفره - الا فاسقا في دينه غير لازم لشريعته خائنا للعهد قليل الوفاء، وان كان ذلك واجب عليه في دينه.
وفيها دلالة على انه يكون في الكفار من يفي بعهده ووعده وبعيد عن الخلف وان كان كافرا. وكذلك قد يكون منهم المتدين الذي لا يرى ان يأتي ما هو فسق في دينه كالغصب والظلم، فأخبر تعالى انهم مع كفرهم كانوا لا وفاء لهم ولا يدينون بمذهبهم بل كانوا يفعلون ما هو فسق عندهم، وذلك يدل على صحة قول من يقول تجوز شهادة أهل الذمة في بعض المواضع.