التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
١٣٠
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أخبر الله تعالى في هذه الآية، واقسم عليه بأنه اخذ آل فرعون بالسنين وهي الاعوام المقحطة، واللام في قوله "لقد" لام القسم، (وقد) معناه الاخبار عن متوقع وهي تقرب الماضي من الحال، لانه اذا توقع كون أمر فقيل قد كان، دل على قربه من الحال. والآل خاصة الرجل الذين يؤول أمرهم اليه، ولذلك يقال: اهل البلد، ولا يقال: آل البلد، لان في الاهل معنى القرب في نسب او مكان، وليس كذلك الآل.
ومعنى { أخذناهم بالسنين } أخذناهم بالجدوب، والعرب تقول: أخذتهم السنة اذا كانت قحطة يقال أسنت القوم اذا أجدبوا، وانما قيل للمجدبة: السنة ولم يقل للخصبة، لانها نادرة في الانفراد بالجدب، والنادر أحق بالافراد بالذكر، لانفراده بالمعنى الذي ندر به. وقال الفراء: معنى بالسنين بالجدوبة تقول العرب (وجدنا البلاد سنين) أي جدوبا، قال الشاعر:

وأموال اللئام بكل أرض تجحفها الجوائح والسنون

وقال آخر:

كأن الناس إِذ فقدوا علياً نعام جال في بلد سنيناً

أي في بلد جدوب وأهل الحجاز وعلياء قيس يقولون: هن السنون، فيجعلونها بالواو في الرفع، وبالياء في الخفض والنصب على هجائين، وبعض تميم يقول هي السنين، فاذا ألقوا الألف واللام لم يجروها، فقالوا قد مضت له سنون كثيرة، وكنت عندهم بضع سنين، وبنو عامر، فانهم يجرونها في النصب والجر والرفع فيقولون: أقمت عنده سنيناً كثيرة. وقال الكسائي: على هجائين هي اللغة الغالبة في كلام العرب: السنون، والسنين وينصبون النون على كل حال مثل نون الجمع في الموضعين، وعليه اجماع القراء، قال: وبعض العرب يجعلها على هجاء واحد، ويلزم النون الاعراب بجعلها كأنها من نفس الكلمة، وأنشد:

سنيني كلها واسيت حرباً أقاس مع الصلادمة الذكور

وأنشد:

ولقد ولدت بنين صدق سادة ولأنت بعد الله كنت السيدا

فأثبت النون في بنين وهي مضافة.
وقوله تعالى { ونقص من الثمرات } أي وأخذناهم مع القحط وجدب الأرض بنقصان من الثمار.
وقوله تعالى { لعلهم يذكرون } معناه لكي يتفكروا في ذلك ويرجعوا الى الحق وإِنما قال { لعلهم } وهي موضوعة للشك، وهو لا يجوز في كلام الله لأنهم عُومِلوا معاملة الشاك مظاهرة في القول كما جاء الابتلاء والاختيار مثل ذلك. والآية تدل على بطلان مذهب المجبرة من أن الله تعالى يريد الكفر المعاصي، لأنه بين أنه فعل بهم ذلك لكي يذكروا،، ويرجعوا فقد أراد منهم الاذكار، فكأنه قال من أجل أن يذكروا، وليس كذلك اذا كلفهم من أجل الثواب، لأن إِرادة المريد لما يكون من فعله في المستأنف عزم، وذلك لا يجوز عليه تعالى، وليس كذلك إِرادته لفعل غيره، قال مجاهد: السنين الحاجة، ونقص من الثمرات دون ذلك، وقال قتادة: كان السنين بباديتهم، { ونقص من الثمرات } كان في أمصارهم وقراهم. وقال كعب: يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة الا تمرة.