التفاسير

< >
عرض

وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
١٣٨
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة والكسائي وخلف يعكفون - بكسر الكاف - الباقون بضمها وهما لغتان، ومثله يفسقون - بكسر السين - والضم، في أمثال ذلك.
المجاوزة الاخراج عن الحد يقال: جاوز الوادي جوازاً اذا قطعه وخلَّفه وراءه وتقول: جاز يجوز جوازاً، وأجازه إِجازة، وجاوزه مجاوزة، وتجاوز تجاوزاً، واجتاز اجتيازاً، وتجوَّز تجوزاً، وجوَّزه تجويزاً، واستجاز استجازة. والبحر الواسع العظيم السعة من مستقر الماء مما هو أعظم من كل نهر، وأصله السعة، ومنه البحيرة التي يبحر أذنها أي توسع شقتها، وتبحر في العلم: اذا اتسع فيه، وقوي تصرفه به.
أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه حين أجاز قوم موسى وقطع بهم البحر وأنجاهم من العدو وأغرق عدوهم فرعون وقومه، وأنهم بلغوا الى قوم عاكفين على أصنام لهم - ومعنى (العكوف) اللزوم للامر بالاقبال عليه والمراعاة له تقول: عكف عكوفاً واعتكف اعتكافاً، ومنه الاعتكاف لزوم المسجد للعبادة فيه، وعكف عليه أي واظب عليه - وأنه لمَّا رأى قوم موسى أولئك العاكفين على أصنامهم والملازمين لها دعاهم جبلتهم الى التشبيه بعبادة الأوثان، لما في طبع الانسان من الحكاية - أن قالوا لموسى: اجعل لنا إِلهاً كما لهم آلهة. وفي طبع كل حيوان الحكاية، وأقوى الحيوان طبعاً في الحكاية القرد، وله حكايات عجيبة، وهذا الطلب منهم يدل على جهل عظيم من بني اسرائيل بعد ما رأوا الآيات التي توالت على فرعون وقومه حتى غرَّقهم الله فى البحر بكفرهم بعد ما نجَّا بني اسرائيل، فلم يردعهم ذلك عن أن قالوا لموسى (ع) { اجعل لنا إِلهاً كما لهم آلهة } وتوهمهم أنه يجوز عبادة غير الله، وإِن اعتقدوا أنه لا يشبه الاشياء ولا تشبهه، ولا يدل طلبهم ذلك على أنهم مشبهة، لما قلناه.
وقوله تعالى { إِنكم قوم تجهلون } حكاية عما أجابهم به موسى (ع) فقال لهم: إِنكم قوم تجهلون مَن المستحق للعبادة وما الذي يجوز أن يتقرب به الى الله تعالى، ويحتمل أن يكون أراد تجهلون من صفات الله ما يجوز عليه وما لا يجوز.