التفاسير

< >
عرض

وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٥٩
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أخبر الله تعالى أن من قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون.
قال ابن عباس والسدي: قوم وراء الصين.
وقال ابوجعفر عليه السلام: هم قوم خلف الرمل لم يغيروا ولم يبدلوا.
وأنكر الجبائي قول ابن عباس، وقال شرع موسى عليه السلام، منسوخ بشرع عيسى عليه السلام وشرع محمد صلى الله عليه وآله فلو كانوا باقين لكفروا بنبوة محمد.
وهذا ليس بشيء، لأنه لا يمتنع ان يكون قوم لم تبلغهم الدعوة من النبي صلى الله عليه وآله فلا نحكم بكفرهم.
وقال الجبائي يحتمل ذلك وجهين:
احدهما - انهم كانوا قوما متمسكين بالحق في وقت ضلالتهم بقتل أنبيائهم.
والاخر - انهم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله مثل ابن سلام وابن صوريا وغيرهما.
وتقدير الكلام في معنى الآية إذاً: كان من قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون، قد مدحوا بذلك وعظموا، فعلى كل أمة أن يكونوا كهذه الأمة الكريمة في هذا المعنى. والامة الجماعة التي تؤم أمراً بأن تقصده وتطلبه وأمة محمد صلى الله عليه وآله تؤم شريعته وأمة موسى وعيسى مثل ذلك.
وليس في الآية ما يدل على ان في كل عصر أمة هادية من قوم موسى لأن بعد نبوة نبينا صلى الله عليه وآله لم يبق أحد يجب اتباعه في شرع موسى عليه السلام وكذلك قوله تعالى
{ { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } ولا دلالة في ذلك على ان تلك الأمة موجودة في كل عصر، بل لو لم توجد هذه الأمة الا في وقت واحد هادية بالحق عادلة به لصح معنى الآية على ان عندنا في كل عصر لا يخلون من قوم بهذا الوصف وهم حجج الله على خلقه، المعصومين الذين لا يجوز عليهم الخطأ والزلل، فقد قلنا بموجب الآية.
وصريح الآية يدل على بطلان قول من قال لا يهدي إلى الحق الا الله تعالى، لأن الله تعالى بين ان فيمن خلقه امة يهدون بالحق وبه يعدلون، وظاهر ذلك الحقيقة وصريح الآية بخلاف ما يقوله المخالف، ولا ينافي ذلك قوله تعالى
{ { من يهد الله فهو المهتدي } لانه يصح اجتماعه مع ذلك، والمعنى من يهده الله إلى الجنة فهو المهتدي اليها على ان قوله تعالى { { من يهد الله فهو المهتدي } لا يمنع من ان يهديه ايضاً غير الله ويهتدي، لان المتعلق بذلك تعلق بدليل الخطاب. وهو ليس بصحيح عند اكثر العلماء، على ان من هدى غيره إلى الحق فانما يهديه بأن ينبهه على الحجج التي نصبها الله على الحق فجاز ان يضاف ذلك إلى انه بهداية الله. ومن حمل قوله تعالى { يهدون } على ان المعنى يهتدون فقد غلط، لان ذلك لا يعرف في اللغة.