في هذه الآية إِخبار عما قالت الجماعة الكافرة من قوم هود له { إنا لنراك في سفاهة } والسفاهة خفة الحلم، كما قال الشاعر:
مبذرا وعاتب سيعى.......
أي سفيه، وثوب سفيه اذا كان خفيفا (وقال) المؤرج: السفاهة الجنون بلغة حمير، وقوله { في سفاهة } معناه منغمس في السفاهة، فالسفاهة بمعنى أنت سفيه، أقيم المصدر مقام اسم الفاعل، ولا يجوز قياسا على ذلك أن يقال في إِرادة بمعنى مريد، وكسرت (إِن) لانها وقعت بعد القول حكاية، والحكاية تقتضي استئناف المحكي و (إِنَّ) اذا شددت عملت، ولا تعمل اذا خففت، لأنها مشددة تشبه (كان) فلما خففت قل الشبه الا ان يحمل على كان محذوفة، وليس قوة حملها عليها تامة كقوة حملها محذوفة، وحذفت الهمزة في مضارع رأيت دون ماضيه، لاجتماع ثلاثة أشياء:
الزيادة في أوله، وكثرة الاستعمال لها، ولان فيما بقي دليل عليها، ولم يلزم في نأيت تنأى مثل ذلك.
وقوله { وإِنا لنظنك } ولم يقولوا نعلمك لامرين: احدهما - قال الحسن: لان تكذيبهم كان على الظن دون اليقين. وقال الرماني: معناه انك تجري مجرى من أخبر عن غائب لا يعلم ممن هو منهم. الثاني - انهم أرادوا بالظن العلم كما قال الشاعر:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المشدد
معناه أيقنوا. وفائدة الآية أن أمَّة هود جرت على طريقة أمَّة نوح في الكفر بنبيها كأنهم قد تواصوا بالتكذيب بالحق ومعاندة أهله والرد لما أوتوا به.