التفاسير

< >
عرض

فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٧٨
فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ
٧٩
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أخبر الله تعالى في هذه الآية بما حلَّ بثمود من العذاب، فقال { فأخذتهم الرجفة } وهي حركة القرار المزعجة لشدة الزعزعة تقول: رجف بهم السقف رجوفاً اذا اضطرب من فوقهم، وقال مجاهد والسدي: الرجفة الصيحة. وقال آخرون: هي زلزلة أهلكوا بها، قال الأخطل:

اما تريني حناني الشيب من كبر كالنشر أرجف والانسان مهدود

وقوله { فأصبحوا في دارهم جاثمين } إِنما قال دراهم على التوحيد لأمرين:
أحدهما - إِن المعنى في بلدهم، وهو واحد.
والآخر - أن معناه في دورهم، وإِنما وحد كما توحد أسماء الأجناس كقوله
{ إِن الإنسان لفي خسر } والأخذ نقل الشىء عن حاله الى جهة الناقل له، وضده الترك كأخذ الدينار وترك الدرهم. ومعنى { جاثمين } باركين على ركبهم موتى، جثم يجثم جثوماً اذا برك على ركبتيه. وقيل: صاروا رماداً كالرماد الجاثم، لأن الصاعقة أحرقتم، وقال جرير:

عرفت المنتأى وعرفت منها مطايا القدر كالجدء الجثوم

وقوله { فتولى عنهم } يعني أن صالحاً تولى عن قومه، والتولي الذهاب عن الشىء وهو الاعراض عنه، وانما تولى، لأنه أقبل عليهم بالدعاء الى توحيد الله وطاعته، فلما خالفوا ونزل بهم العذاب تولى عنهم لليأس منهم وتولاه بمعنى أولاه نصرته ومعونته، ومنه قولهم (تولاك الله بحفظه) وقوله { ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا } فهو مثل قوله { إِن تنصروا الله ينصركم } أي إِن تنصروا دين الله، وتولى عنه بمعنى أعرض عنه.
وقوله { وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة بي } انما جاز أن يناديهم مع كونهم جاثمين موتى لما في تذكر ما أصارهم الى تلك الحال العظيمة التي صاروا بها نكالاً لكل من اعتبر بها وفكر فيها من الحكمة والموعظة الحسنة. وقوله { ونصحت لكم } يقال: نصحته ونصحت له مثل شكرته وشكرت له، ومعناه وكنت نصحت لكم { ولكن لا تحبون الناصحين } فمحبة الشىء إِرادة الحال الجليلة له عند المريد، فمن أحبَّ الناصح قبل منه، لنهيه لهم عن ركوب أهوائهم واتباع شهواتهم، وقد روي أنه لم يعذب أمَّة نبي قط ونبيها فيها، فلذلك خرج، فأما اذا أهلك المؤمنون فيما بينهم، فان الله سيعوضهم على ما يصيبهم من الآلام والغموم.