التفاسير

< >
عرض

فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ
٩٣
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا إِخبار من الله تعالى عما فعل شعيب (ع) مع قومه لما أبلغهم رسالات ربه تعالى، فلما لم يقبلوها وأقاموا على تكذيبه وجحد ما أتى به، أنه تولى عنهم ومعناه أعرض عنهم إِعراض آيس منهم، فنزل بهم العذاب { فتولى عنهم } لأنه كان مقبلا عليهم بالوعظ والدعاء الى الحق، فلما تمادوا في غيهم وأخذهم الله ببأسه تولى عنهم، وانما قال لمن هلك { لقد أبلغتكم رسالات ربي } لأن معناه إِن ما نزل بكم من البلاء وان كان عظيماً، فهو حق، لأنه بجنايتكم على أنفسكم، فلا ينبغي أن يحزن عليهم للأمور التي ذكرناها من شأنهم. قال ابن اسحاق عزَّى نفسه عنهم بعد أن كان حزن عليهم.
وقوله { رسالات ربي } إِنما أتى بلفظ الجمع ليدل على اختلاف معاني الرسالة اذا جمعت، فهي تجري مجرى جمع الاجناس، كقولك تُمور، وأما ضربات فانما يدل على عدد المرات.
وقوله { فكيف آسى } أحزن - في قول ابن عباس والحسن والسدي - والأسى شدة الحزن يقال أسى يأسى أسىً قال الشاعر:

وانحلبت عيناه من فرط الأسى

وقال امرؤ القيس:

وقوفاً بها صحبي على مطيهم يقولون لا تهلك أسىً وتجمل

وقوله فكيف { آسى } لفظه لفظ الاستفهام والمراد به النفي، وانما كان كذلك: لأَن جوابه في هذا الموضع لا يصح إِلا بالنفي، كما يدخله معنى الانكار لهذه العلة. قال العجاج:

أطرباً وأنت قنسريُّ

أي لا يكون ذلك مع كبر السنِّ، وهذا تسلٍّ من شعيب (ع) بما يذكر من حاله معهم في مناصحته لهم وتأدية رسالة ربه اليهم، وأنه لا ينبغي أن يأسى عليهم مع تمردهم في كفرهم وشدة طغيانهم، وانه لا حيلة في فلاحهم، قال البلخي: وفي ذلك دلالة على انه لا يجوز للمسلم ان يدعو للكافر بالخير كما يقول: لعن الله فلانا واخزاه ثم يقول هداه الله وارشده ورحمه. وقال ابو عبد الله البجلي: ابو جاد، وهواز، وحطي، وكلمون، وصعفص، وقرشت: أسماء ملوك مدين، وكان ملكهم يوم الظلة في زمان شعيب (كلمون) فقالت أخت كلمن تبكية:

كلمون هَّد ركني هلكه وسط المحلة
سيد القوم أتاه الحتـ ـف نارا وسط ظله
جعلت نارا عليهم دارهم كالمضمحلة