التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً
٢١
قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً
٢٢
إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً
٢٣
حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً
٢٤
قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً
٢٥
عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً
٢٦
إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً
٢٧
لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً
٢٨
-الجن

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ { ليعلم } بضم الياء يعقوب. الباقون بفتح الياء. أمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وآله أن يقول للمكلفين { إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً } ومعناه إني لا أقدر على دفع الضرر عنكم ولا إيصال الخير اليكم، وانما يقدر على ذلك الله تعالى. وانما أقدر على أن ادعوكم الى الخير وأهديكم الى طريق الرشاد، فان قبلتم نلتم الثواب والنفع، وان رددتموه نالكم العقاب وأليم العذاب، ثم قال ايضاً { قل } لهم يا محمد { إني لن يجيرني من الله أحد } أي لا يقدر أن يجير على الله حتى يدفع عنه ما يريده به من العقاب { ولن أجد } أيضاً انا { من دنه } أي من دون الله { ملتحداً } يعنى ملتجأ ألجأ اليه أطلب به السلامة مما يريد الله تعالى فعله من العذاب والألم. وأضافه الى نفسه، والمراد به أمته، لانه لا يفعل قبيحاً فيخاف العقاب. والمعنى ليس من دون الله ملتحد أى ملجأ.
وقوله { الإبلاغ من الله ورسالاته } معناه لكن املك البلاغ من الله الذي هو بلاغ الحق لكل من ذهب عنه وأعرض عن اتباعه بأن أرشده الى الأدلة التي نصبها الله له وأمر بالدعاء إليها سائر عباده المكلفين، كما أمر أنبياءه بتبليغ رسالاته، فيكون التقدير لا أملك إلا بلاغاً من الله ورسالاته. وقيل يجوز ان يكون المراد لن يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالاته، فيكون نصب البلاغ على اضمار فعل من الجزاء، كقولك إن لا قياماً فقعوداً وان لاعطاء فرداً جميلاً فتكون (لا) منفصلة من (إن) وتقديره إن لا أبلغ بلاغاً من الله ورسالاته.
ثم قال { ومن يعص الله ورسوله } بأن خالف ما أمراه به وارتكب ما نهياه عنه { فإن له نار جهنم } جزاء على ذلك { خالدين فيها أبداً } أي مقيمين فيها على وجه التأبيد والقراء على كسر { فإن } على الابتداء. وروي عن طلحة بن مصروف انه فتح على تقدير فجزاءه أن له. وقال ابن خالويه: سألت ابن مجاهد عن ذلك، فقال: هو لحن. وقال بعض أهل النظر: زعم ابو عبيدة: ان ما كان من قول الجن فهو مكسور نسقاً على قوله { إنا سمعنا } ومن فتح فعلى قوله { قل أوحي إلي } وهو اختيار ابن خالويه.
وقوله { حتى إذا رأوا ما يوعدون } يعني ما يوعدون به من العقاب على المعاصي { فسيعلمون } عند ذلك { من أضعف ناصراً } يدفع عنه عقاب الله ومن { أقل عدداً } يستنصر بهم آلكفار أم المؤمنون؟. وقيل معناه أجند الله أم الذين عبده المشركون؟ وإنما قال { من أضعف ناصراً } ولا ناصر لهم فى الآخرة، لأنه جاء على جواب من توهم انه إن كانت لهم أخوة فناصرهم أقوى وعددهم اكثر.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { قل إن أدري } أي قل لهم لست اعلم { أقريب ما توعدون } به من العقاب { أم يجعل له ربي أمداً } أي غاية ينتهي اليها بعينها أم يؤخره الله تعالى إلى مدة لا يعلمها بعينها إلا الله تعالى الذي هو { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً } ثم قال { إلا من ارتضى من رسول } فانه ربما أطلعه على ما غاب عن غيره من الخلائق بأن يوحي اليهم بما شاء من الغيب - ذكره قتادة - { فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً } ومعناه إن الله إذا نزل الملك بالوحي ارسل معه رصداً يحفظون الملك من أن يأتي احد من الجن ويسمع الوحي، ونصب { رصداً } على المفعول، كأنه قال يجعل رصداً يسلك من بين يديه ومن خلفه { ليعلم أن قد أبلغوا } معناه ليظهر المعلوم من التبليغ. وقال قتادة: معناه ليعلم محمد أن الرسل قبله قد ابلغوا رسالات ربهم. وقال سعيد بن جبير: ليعلم الرسل أن قد ابلغوا رسالات ربهم على احاطة بهم وتحصين لما بلغوا من رسالاته. وقال الزجاج: ليعلم الله أن قد ابلغوا.
وقوله { وأحاط بما لديهم } معناه انه يعلم ما عندهم فيحيط بما لديهم فيصير فى معلومه بمنزلة ما احيط به { وأحصى كل شيء عدداً } معناه انه يعلم الاشياء مفصلة بمنزلة من يحصيها ليعلمها كذلك. وقال الزجاج: نصب { عدداً } يحتمل شيئين:
احدهما - واحصى كل شيء في حال العدد، فيكون العدد بمعنى المعدود، كما يقال: للمنقوص نقص، فلا يخفى عليه شيء من الاشياء، لا سقوط ورقة، ولا حبة في ظلمات الارض.
والثاني - ان يكون بمعنى المصدر، وتقديره وأحصى كل شيء احصاء. وقال الجبائي معنى { ليعلم أن قد أبلغوا } أي ليبلغوا { رسالات ربهم } فعبر عن المعلوم بالعلم كما يقال: ما علم الله مني ذلك أي ما فعلته، لأنه لو فعله لعلم الله ذلك { وأحصى كل شيء عدداً } معناه انه لا شيء يعلمه عالم او يذكره ذاكر إلا وهو تعالى عالم به ومحص له. والاحصاء فعل، وليس هو بمنزلة العلم، فلا يجوز ان يقال احصى ما لا يتناهى كما يجوز ان يقال: علم ما لا يتناهى، لان الاحصاء مثل المحصي لا يكون إلا فعلا متناهياً، فاذا لم يجز ان يفعل ما لا يتناهى لم يجز ان يقال يحصي ما لا يتناهى. والفرق بينهما واضح.