التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ
١
قُمْ فَأَنذِرْ
٢
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
٣
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ
٤
وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ
٥
وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ
٦
وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ
٧
فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ
٨
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ
٩
عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ
١٠
-المدثر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله يقول له { يا أيها المدثر } واصله المتدثر بثيابه، فادغمت التاء في الدال، لانها من مخرجها مع أن الدال اقوى بالجهر فيها، يقال: تدثر تدثراً ودثره تدثيراً، ودثر الرسم يدثر دثوراً إذا محي أثره، فكأنه قال: يا ايها الطالب صرف الأذى بالدثار اطلبه بالانذار.
وقوله { قم فأنذر } أمر من الله تعالى له أن يقوم وينذر قومه، والانذار الاعلام بموضع المخافة ليتقى، فلما كان لا مخافة أشد من الخوف من عقاب الله كان الانذار منه اجلّ الانذار، وتقديره قم إلى الكفار فانذر من النار.
وقوله { وربك } منصوب بـ { كبر } والتكبير وصف الاكبر على اعتقاد معناه كتكبير المكبر في الصلاة بقوله الله اكبر، والتكبير نقيض التصغير، ومثله التعظيم. والكبير الشأن هو المختص باتساع المقدور والمعلوم من غير مانع من الجود. فالله تعالى قادر لا يعجزه شيء، وعالم لا يخفى عليه شيء لا يمنعه من الجود على عباده شيء، فهو اكبر من كل كبير بما لا يساويه شيء، واختصاصه بالمقدور والمعلوم بأنه ما صح من مقدور او معلوم فهو قادر عليه عالم به فهو لنفسه كبير واكبر من كل كبير سواه.
وقوله { وثيابك فطهر } أي وطهر ثيابك فهو منصوب به. والطهارة النظافة بانتفاء النجاسة، لأن النظافة قد تكون بانتفاء الوسخ من غير نجاسة، وقد تكون بانتفاء النجاسة. فالطهارة في الآية هو القسم الأخير. وقال ابن عباس { وثيابك فطهر } معناه من لبسها على معصيته، كما قال سلامة بن غيلان الثقفي - انشده ابن عباس:

وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدة أتقنع

وقال الزجاج: معناه لم أكن غادراً، قال يقال: للغادر دنس الثياب أي لم أعص قط وقيل: معناه شمر ثيابك - وفي رواية عن ابن عباس وإبراهيم وقتادة - ان معناه وثيابك فطهر من الذنوب. وقال ابن سيرين وابن زيد: اغسلها بالماء. وقيل معناه شمر ثيابك، وقيل: معناه وثيابك فطهر للصلاة فيها.
وقوله { والرجز } منصوب بقوله { فاهجر } وقال الحسن: كل معصية رجز وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والزهري: معناه فاهجر الاصنام. وقال ابراهيم والضحاك: الرجز الاثم. وقال الكسائي: الرجز - بكسر الراء - العذاب، وبفتحها الصنم والوثن. وقالوا: المعنى اهجر ما يؤدي إلى العذاب، ولم يفرق احد بينهما. وبالضم قرأ حفص ويعقوب وسهل. الباقون بالكسر إما لانهما لغتان مثل الذكر والذكر او بما قاله الكسائي. وقال قوم: الرجز بالضم الصنم. وقال: كان الرجز صنمين: أساف ونائلة، نهى الله تعالى عن تعظيمهما.
وقوله { ولا تمنن تستكثر } قال ابن عباس وابراهيم والضحاك وقتادة ومجاهد: معناه لا تعط عطية لتعطى أكثر منها، وقال الحسن والربيع وانس: معناه لا تمنن حسناتك على الله مستكثراً لها، فينفصل ذلك عند الله. وقال ابن زيد: معناه لا تمنن ما أعطاك الله من النبوة والقرآن مستكثراً به الأجر من الناس، وقال ابن مجاهد: معناه لا تضعف فى عملك مستكثراً لطاعتك، وقال قوم: معناه لا تمنن على الناس بما تنعم به عليهم على سبيل الاستكثار لذلك. وقال جماعة من النحويين: إن { تستكثر } فى موضع الحال ولذلك رفع. وأجاز الفراء الجزم على أن يكون جواباً للنهي، والرفع هو الوجه. والمن ذكر النعمة بما يكدرها، ويقطع حق الشكر بها، يقال: منّ بعطائه يمنّ مناً إذا فعل ذلك، فأما من على الاسير إذا أطلقه، فهو قطع أسباب الاعتقال عنه. ويقال: لمن أنعم على وجه المن، لأنه بهذه المنزلة، وأصله القطع من قوله
{ فلهم أجر غير ممنون } أى غير مقطوع. والاستكثار طلب الكثرة يقال: استكثر فلان من المال والعلم، والمراد - ها هنا - هو طلب ذكر الاستكثار للعطية.
وقوله { ولربك فاصبر } قال ابراهيم: من أجل ربك فاصبر على عطيتك. وقال مجاهد: لاجل الله فاصبر على أذى المشركين. وقيل: معناه { ولربك فاصبر } على ما أمرك به من أداء الرسالة وتعليم الدين، وما ينالك من الاذى والتكذيب، فاحتمله لتنال الفوز من الله بالنعيم والصبر الذى هو طاعة الله هو الصبر على الضرر الذى يدعو اليه العقل، لان ما يدعو اليه العقل فخالق العقل يريده، لأنه بمنزلة دعاء الأمر الى الفعل، والسبب الذى يتقوى به على الصبر هو التمسك بداعي العقل دون داعي الطبع، لان العقل يدعو بالترغيب فيما ينبغي أن يرغب فيه. والطبع داعي الهوى يدعو إلى خلاف ما في العقل.
وقوله { فإذا نقر في الناقور } معناه إذا نفخ فى الصور، وهو كهيأة البوق - فى قول مجاهد - وقيل: ان ذلك فى اول النفختين، وهو أول الشدة الهائلة العامة، والناقور على وزن (فاعول) من النقر، كقولك: هاضوم من الهضم وحاطوم من الحطم، وهو الذي من شأنه أن ينقر فيه للتصويت به.
وقوله { فذلك يومئذ } يعني اليوم الذي ينفر فيه فى الناقور { يوم عسير } أى يوم شديد عسر { على الكافرين } لنعم الله الجاحدين لآياته { غير يسير } فاليسير القليل الكلفة، ومنه اليسار وهو كثرة المال لقلة الكلفة به فى الانفاق، ومنه تيسر الامر لسهولته وقلة الكلفة فيه. وقال الزجاج: قوله { يوم عسير } مرتفع بقوله { فذلك } والمعنى فذلك يوم عسير يوم النفخ فى الصور، ويومئذ يجوز أن يكون نصباً على معنى فذلك يوم عسير فى يوم ينفخ فى الصور، ويجوز الرفع، وإنما بني على الفتح لاضافته إلى (إذ) لأن (إذ) غير متمكنة.