التفاسير

< >
عرض

وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٤
-الأنفال

التبيان الجامع لعلوم القرآن

{ ما } في قوله { وما لهم أن لا يعذبهم الله } خرجت مخرج الاستفهام ومعناه إيجاب العذاب، وجاز ذلك، لأنه ابلغ في معنى الايجاب، من حيث انه لا جواب - لمن سأل عن مثل هذا - يصح في نفي العذاب، والمعنى لم لا يعذبهم وهذا فعلهم.
وموضع { أن } نصب بمعنى أي شيء لهم في أن لا يعذبهم، لكن لما حذف الجار عمل معنى الفعل من الاستقرار، وجاز الحذف مع { أن } ولم يجز مع المصدر لطول { أن } بالصلة اللازمة من الفعل والفاعل، وليس كذلك المصدر. وحكي عن الاخفش ان { أن } زائدة مع عملها.
وقوله { وهم يصدون عن المسجد } والصد المنع، والصد الاعراض عن الشيء من غير حيلولة بينه وبين غيره والمراد ها هنا المنع.
وقوله: { وما كانوا أولياءه } جمع ولي وهو الذي يستحق القيام بأمر الشيء ويكون احق به من غيره، فعلى هذا الله تعالى ولي المتقين دون المشركين. وقال ابو جعفر عليه السلام والحسن قال المشركون: نحن اولياء المسجد، فرد الله ذلك عليهم، فقال { وما كانوا أولياءه }. ثم اخبر الله تعالى { إن أولياؤه } بمعنى ليس أولياء المسجد إلا المتقون الذين يتركون معاصي الله ويجتنبونها.
وقال قوم: المعنى إن اولياء الله إلا المتقون والاول احسن: لانه مما يقتضيه الانكار.
وقيل في معنى { لا } قولان: احدهما - ان معناها الجحد اي ما لهم في الامتناع من العذاب. وقيل هي صلة، لان المعنى ايجاب العذاب، كما قال الشاعر:

لو لم تكن غطفان لادنوت لها إذن للام ذووا احسابها عمرا

والاول احسن، لأن المعنى لم لا يعذبهم الله. فان قيل: كيف تجمعون بين الآيتين على قول من لا ينسخ الاولى، فان في الاولى نفى ان يعذبهم الله وهم يستغفرون وفي الثانية اثبت ذلك؟ قلنا عنه ثلاثة اجوبة:
احدها - ان يكون أراد وما لهم ان لا يعذبهم الله في الآخرة.
والثاني - ان يكون يعني بالاولى عذاب الاستئصال كما فعل بالامم الماضية وبالثانية اراد عذاب السيف والاسر وغير ذلك ويكون قوله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } اي انه لا يعذبهم بعذاب الدنيا، والآخرة إذا تابوا واستغفروا.
الثالث - أنه لا يعذبهم ما دام النبي فيهم وما داموا يستغفرون وإن كانوا يستحقون العذاب بكفرهم وعنادهم.
وقوله: { ولكن أكثرهم لا يعلمون } دليل على بطلان قول من قال المعارف ضرورة.