التفاسير

< >
عرض

لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
٦٨
-الأنفال

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قيل في معنى قوله { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم } قولان:
قال الحسن لولا ما كتبه الله في اللوح المحفوظ من انه لا يعذبهم على ذلك. وقال غيره: لولا ما كتب الله فيه انه يغفر لأهل بدر ما تقدم وما تأخر.
الثاني - قال مجاهد: يعني ما ذكره من قوله
{ { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فكأنه قال: لا اعذب إلا بعد المظاهرة في البيان وتكرير الحجة به. وقال قوم "لولا ما كتبه الله" من ان الفدية ستحل لهم فيما بعد، ذهب اليه سعيد ابن جبير. ومعنى الاية { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم } من فداء الاسرى والغنيمة عذاب عظيم، لانهم اخذوه قبل ان يؤذن لهم. وقد كان سبق ان الله سيحله لهم في قول ابن عباس والحسن، وقال الجبائي: والمعنى { لولا كتاب من الله سبق } وهو القرآن الذي آمنتم به واستحقيتم لذلك غفران الصغائر لمسكم فيما اخذتم به من الفداء عذاب عظيم. ولا يجوز ان يكون المراد به الا الصغائر لانهم قبل الغفران لم يكونوا فساقاً اجماعاً. قال الجبائي: وقد كان من النبي صلى الله عليه وآله في هذا معصية اجماعاً من غير تعيين ما هي، واظن انها في ترك قتل الاسرى وهذا الذي ذكره غير صحيح، لانه لا إجماع في ذلك بل عندنا لا يجوز على النبي صلى الله عليه وآله فعل شيء من القبائح صغيراً كان او كبيراً لما في ذلك من التنفير عنه على ما بيناه في غير موضع. واكثر المفسرين على ان النبي صلى الله عليه وآله لم يقع منه خلاف لأمر الله وقد روي ان النبي صلى الله عليه وآله كره اخذ الفداء حتى راى سعد بن معاذ كراهية ذلك في وجهه، فقال يا رسول الله هذا اول حرب لقينا فيه المشركين اردت ان يثخن فيهم القتل حتى لا يعود احد بعد هذا إلى خلافك وقتالك، فقال رسول الله: قد كرهت ما كرهت، ولكن رايت ما صنع القوم، فالمعصية في ذلك كانت من قوم من الصحابة الذين مالوا إلى الدنيا واخذ الفداء. وقد قال البلخي ايضاً إن اجلاء الصحابة براء من ذلك. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال "إن الغنائم احلت لي ولم تحل لنبي قبلي" .
ومعنى { لولا } امتناع الثاني لوقوع الأول كقولك: لولا زيد بالمكان الذي هو به لاتيتك، فامتنع الاتيان لمكان زيد. والسبق يكون تقدماً في الزمان والمكان والرتبة بأن يكون له وإن لم يكن فيها. والمس مماسة يقع معها إدراك، وهو كاللمس في الحقيقة. والعظيم ما يصغر فيه قدر غيره، ويكون ذلك بعظم الجثة تارة وبعظم الشأن أخرى. والعظيم هو المستحق للصفة بأن قدر غيره صغير عنده. وقال أبو جعفر عليه السلام كان الفداء يوم بدر كل رجل من المشركين بأربعين أوقية من فضة والاوقية أبعون مثقالا إلا العباس فان فداءه كان مئة اوقية وكان أخذ منه حين أسر اثنين وعشرين اوقية ذهباً، فقال النبي صلى الله عليه وآله ذاك غنيمة ففاد نفسك وابني اخيك عقيل ونوفل بن الحارث، فقال: ليس معي، فقال: اين الذهب الذي سلمته إلى ام الفضل وقلت: ان حدث بي حدث، فهو لك وللفضل وعبد الله وميثم، فقال من اخبرك بهذا؟ قال: الله، قال: اشهد انك رسول الله، والله ما اطلع على هذا احد إلا الله تعالى.