التفاسير

< >
عرض

فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ
٢٤
أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً
٢٥
ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً
٢٦
فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً
٢٧
وَعِنَباً وَقَضْباً
٢٨
وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً
٢٩
وَحَدَآئِقَ غُلْباً
٣٠
وَفَاكِهَةً وَأَبّاً
٣١
مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ
٣٢
-عبس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة { أنا صببنا } بفتح الألف على البدل من{ طعامه } أو على انه خبر مبتدإ محذوف. الباقون بالكسر على الاستئناف.
يقول الله تعالى لخلقه منبهاً لهم على قدرته على احياء الخلق بعد موتهم ونشرهم ومجازاتهم بأن أمره ان ينظر إلى طعامه الذي يأكله ويتقوّته، ويفكر كيف يخلقه الله ويوصله اليه ويمكنه من الانتفاع به. وبين كيفية ذلك فقال { إنا صببنا الماء صباً } أي انزلنا الغيث إنزالا { ثم شققنا الأرض شقاً } فالشق قطع الشيء طولا ومثله الصدع والفرج والفطر، ومن ذلك شق الارض وشق الخشبة وشق الشعرة فأما قطع الليطة، وقطع الشجر، فعلى خلاف ذلك، فبين تعالى أنه يشق الارض ويخرج منها ما أنبته من أنواع النبات. ومن فتح { أنا } على البدل، فعلى انه بدل اشتمال، ويكون موضعه جراً فتقديره فلينظر إلى أنا صببنا. وقال آخرون: موضعه نصب، لان الأصل بـ { أنا } و (لأنا) فلما أسقط الخافض نصب على المعنى، فتقديره فلينظر الانسان إلى حدوث طعامه او نبات طعامه، لانه موضع الاعتبار. وقال المبرد: تقديره فلينظر الانسان إلى طعامه، لأنا صببنا فأخرجنا أي لهذه العلة كان طعامه، لان قوله { إنا صببنا } ليس من الطعام فى شيء، وقال ابو علي: وهو بدل الاشتمال، لان ما ذكره يشتمل على الطعام فهو بمنزلة قوله
{ قتل أصحاب الأخدود النار } }. وقوله { فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً... } فالانبات إخراج النامي حالا بعد حال، يقال أنبته الله انباتاً فنبت نباتاً، ففاعل النبات والانبات واحد إلا أن الانبات يؤخذ منه صفة المنبت، والنبات يؤخذ منه النابت. وليس النبات فاعلا لكنه الصائر على تلك الصفة بتصيير غيره، غير انه لما أسند الفعل اليه اشتق له منه اسم الفاعل. والحب جمع الحبة مثل الشعير والحنطة والسمسم والدخن والارز وغير ذلك، وكذلك يسمى حب اللؤلؤ تشبيهاً بذلك فى تدويره. والقضب الرطبة - فى قول الضحاك، والفراء - وأهل مكة يسمون القث قضباً. وأصله فيما يقطع رطباً من قولهم: قضبته وأقضبته قضباً إذا قطعته رطباً، ومنه القضيب والمقتضب. والزيتون معروف. وإنما ذكره الله تعالى لعظم النفع به والدهن الذي يكون منه { ونخلا } أي وانبتنا من الارض نخلا وهو شجر الرطب والتمر { وحدائق غلباً } فالحديقة البستان المحوط وجمعه حدائق، ومنه أحدق به القوم إذا أحاطوا به، ومنه الحدقة لما احاط بها من جفنها. والغلب جمع أغلب وغلبا، وهي الغلاظ بعظم الاشجار، وشجرة غلباء إذا كانت غليظة قال الفرزدق:

عوى فاثار اغلب ضيغمياً فويل ابن المراغة ما استثارا

وقوله { وفاكهة وأباً } يعني ثمر الاشجار التي فيها النفع والالذاذ، يقال تفكه بكذا إذا استعمله للاستمتاع به والفاكهة تكون رطبة ويابسة. والأب المرعى من الحشيش وسائر النبات الذي ترعاه الانعام والدواب، ويقال أبّا إلى سيفه فاستله كقولك هب اليه وبدر اليه، فيكون كبدور المرعى بالخروج قال الشاعر:

جدنا قيس ونجد دارنا ولنا الأب بها والمكرع

وقوله { متاعاً لكم ولأنعامكم } فالمتاع كل شيء فيه الذاذ الامساس من مأكل او منظر أو مشمم أو ملمس، وأصله المصدر من قولهم: امتعته امتاعاً ومتاعاً ومتع النهار إذا ارتفع، لأن ارتفاعه يستمتع به. فبين تعالى انه خلق ما خلق وانبت ما انبت من الارض لامتاع الخلق به من المكلفين وأنعامهم التي ينتفعون بها. والانعام الماشية بنعمة المشي من الابل والبقر والغنم بخلاف الحافر بشدة وطئه بحافره من الخيل والبغال والحمير.