التفاسير

< >
عرض

إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ
١
وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ
٢
وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ
٣
وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ
٤
وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ
٥
وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ
٦
وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ
٧
وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ
٨
بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ
٩
وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ
١٠
وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ
١١
وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ
١٢
وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ
١٣
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ
١٤
-التكوير

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير واهل البصرة { سجرت } خفيفة الجيم. الباقون بتشديدها وقرأ اهل المدينة وابن عامر وحفص عن عاصم { نشرت } خفيفة الشين. الباقون بالتشديد. وقرأ نافع وباقي أهل المدينة وابن عامر فى رواية ابن ذكوان وعاصم إلا يحيى ورويس { سعرت } بتشديد العين. الباقون بتخفيفها. وقرأ ابو جعفر { قتلت } مشددة التاء، الباقون بتخفيفها.
يقول الله تعالى مخبراً عن وقت حضور القيامة وحصول شدائدها { إذا الشمس كورت } فاللفظ وإن كان ماضياً فالمراد به الاستقبال، لأنه إذا اخبر تعالى بشيء فلا بد من كونه، فكأنه واقع. والفعل الماضي يكون بمعنى المستقبل فى الشرط والجزاء، وفى أفعال الله، وفى الدعاء إذا تكرر كقولك حفظك الله وأطال بقاءك.
ومعنى { كورت } - فى قول ابن عباس وابي بن كعب ومجاهد وقتادة والضحاك - ذهب نورها. وقال الربيع بن خيثم: معناه رمي بها، والتكوير تلفيف على جهة الاستدارة ومنه كور العمامة، كور يكور تكويراً، ومنه الكارة، ويقال: كورت العمامة على رأسي اكورها كوراً وكورتها تكويراً. ويقال: طعنه فكوره أى رمى به، ذكره الازهرى، ومنه قولهم: اعوذ بالله من الحور بعد الكور أى من النقصان بعد الزيادة فالشمس تكور بأن يجمع نورها حتى يصير كالكارة الملقاة فيذهب ضوءها ويجدد الله - عز وجل - للعباد ضياء غيرها.
وقوله { وإذا النجوم انكدرت } فالنجوم جمع نجم، وهو الكوكب وجمعه كواكب. ومنه نجم النبت إذا طلع ينجم نجماً فهو ناجم، وكذلك نجم القرن، ونجم السن. والانكدار انقلاب الشيء حتى يصير الأعلى الاسفل بما لو كان ماء لتَكدر. وقيل: اصل الانكدار الانصباب. قال العجاج:

ابصر خربان فضاء فانكدر

وقال مجاهد والربيع بن خيثم وقتادة وابو صالح وابن زيد: انكدرت معناه تناثرت. وقوله { وإذا الجبال سيرت } فمعنى تسيير الجبال تصييرها هباء وسراباً وقوله { وإذا العشار عطلت } فالعشار جمع عشراء، وهي الناقة التي قد أنى عليها عشرة اشهر من حملها، وهو مأخوذ من العشرة. والناقة إذا وضعت لتمام ففي سنة، وقال الفراء: العشار لقح الابل التي عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم. وقال الجبائي: معناه ان السحاب يعطل ما يكون فيها من المياه التى ينزلها الله على عباده فى الدنيا. وحكى الازهري عن ابي عمرو انه قال: العشار الحساب. قال الازهرى: وهذا لا اعرفه فى اللغة. والمعنى إن هذه الحوامل التى يتنافس اهلها فيها قد اهملت.
وقوله { وإذا الوحوش حشرت } قال عكرمة: حشرها موتها. وغيره قال: معناه تغيرت الأمور بأن صارت الوحوش التى تشرد في البلاد تجتمع مع الناس وذلك ان الله تعالى يحشر الوحوش ليوصل اليها ما تستحقه من الأعواض على الآلام التي دخلت عليها، وينتصف لبعضها من بعض، فاذا عوضها الله تعالى، فمن قال: العوض دائم قال تبقى منعمة على الأبد. ومن قال: العوض يستحق منقطعاً اختلفوا فمنهم من قال: يديمها الله تفضلا لئلا يدخل على العوض غم بانقطاعه. ومنهم من قال: إذا فعل بها ما تستحقه من الاعواض جعلها تراباً.
وقوله { وإذا البحار سجرت } معناه ملئت ناراً كما يسجر التنور، وأصل السجر الملأ قال لبيد:

فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاوز أقدامها

أي مملوءة، ومنه { البحر المسجور } قال ابن عباس وأبي بن كعب: سجرت اوقدت، فصارت ناراً. وقال شمر بن عطية: صارت بمنزلة التنور المسجور وقال الحسن والضحاك: معناه ملئت حتى فاضت على الأرضين فتنسقها حتى تكون لجج البحار ورؤس الجبال بمنزلة واحدة، وقيل: معنى { سجرت } جعل ماؤها شراباً يعذب به أهل النار. وقال الفراء: معناه افضي بعضها إلى بعض فصارت بحراً واحداً. ومن ثقل أراد التكثير، ومن خفف، فلأنه يدل على القليل والكثير.
وقوله { وإذا النفوس زوجت } معناه ضم كل واحد منها إلى شكله، والنفس قد يعبر به عن الانسان ويعبر به عن الروح، وقال عمر بن الخطاب وابن عباس ومجاهد وقتادة: كل إنسان بشكله من أهل النار وأهل الجنة. وقال عكرمة والشعبي: معنى زوجت ردت الأرواح إلى الاجساد. وقيل: معناه يقرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان.
وقوله { وإذا الموؤدة سئلت } فالموؤدة المقتولة بدفنها حية، فكانت العرب تئد البنات خوف الاملاق، وأدها يئدها وأداً، فهي موؤدة أي مدفونة حية، وعلى هذا جاء قوله
{ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } وقال قتادة: "جاء قيس ابن عاصم التميمي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: اني وأدت ثماني بنات فى الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وآله فاعتق عن كل واحدة رقبة قال اني صاحب أبل. قال فاهد إلى من شئت عن كل واحدة بدنة" . وقيل موؤدة للثقل الذي عليها من التراب وقوله { ولا يؤوده حفظهما } أي لا يثقله، قال الفرزدق:

ومنا الذي منع الوائدا ت وأحيا الوئيد فلم يوأد

وإنما يسأل عن الموؤدة على وجه التوبيخ لقاتلهما، وهو أبلغ من سؤاله، لان هذا مما لا يصلح إلا بذنب، فاي ذنب كان لك، فاذا ظهر انه لا ذنب لها جاءت الطامة الكبرى على قاتلها، لانه رجع الأمر اليه بحجة يقرّ بها. وقال قوم: تقديره سئلت قتلها بأي ذنب قتلت، فالكناية عنها أظهر. وروي فى الشواذ، وهو المروي عن ابن عباس وغيره من الصحابة أنهم قرءوا { وإذا المؤودة سألت بأي ذنب قتلت } جعلوها هي السائلة عن سبب قتلها لا المسئولة وهو المروي فى اخبارنا
وقوله { وإذا الصحف نشرت } فالنشر بسط المطوي، والنشر للصحف والثياب ونحوها. والصحف جمع صحيفة وهي الصحيفة التى فيها اعمال الخلق من طاعة ومعصية، فتنشر عليه ليقف كل انسان على ما يستحقه.
وقوله { وإذا السماء كشطت } فالكشط القلع عن شدة التزاق كشط جلدة الرأس يكشطها كشطاً إذا قلعها. فقلع السماء عن مكانها على شدة ما فيها من اعتماد كقلع جلدة الرأس عن مكانها، والكشط والنشط واحد. وفى قراءة عبد الله { وإذا السماء نشطت }.
وقوله { وإذا الجحيم سعرت } معناه اشتعلت واضرمت، فالتسعير تهيج النار حتى تتأجج، ومنه السعر، لانه حال هيج الثمن بالارتفاع والانحاط، واسعرت الحرب والشر بين القوم من هذا. ومن شدد أراد التكثير، ومن خفف فلأنه يدل على القليل والكثير. وقال قتادة: يسعرها غضب الله وخطايا بني آدم.
وقوله { وإذا الجنة أزلفت } أى قربت من أهلها يوم القيامة فالازلاف إدناء ما يجب، ومنه الزلفة القربة، وأزدلف إلى الامر اقترب منه. ومنه المزدلفة لأنها قريب من مكة. وقوله { علمت نفس ما أحضرت } هو جواب { إذا الشمس كورت } وما بعدها من الشروط، والمعنى إن عند ظهور الاشياء التى ذكرها وعددها تعلم كل نفس ما عملته من طاعة أو معصية، وقد كان غافلا عنه. وهو كقوله
{ أحصاه الله ونسوه }