التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ
١٣
وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ
١٤
يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدِّينِ
١٥
وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ
١٦
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ
١٧
ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ
١٨
يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ
١٩
-الانفطار

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وأهل البصرة { يوم لا تملك } برفع الميم. الباقون بالنصب على الظرف، ويجوز أن ينصبه باضمار فعل أى نقول يوم لا تملك، ومن رفع استأنف ويجوز أن يجعله بدلا مما قبله. وقيل: ان { يوم } إذا أضيف إلى فعل مضارع رفع وإذا اضيف إلى فعل ماض نصب، نحو قولهم: يوم يفعل، ويوم فعل، وقال ابو علي: من رفع جعله خبر ابتداء محذوف، وتقديره هو يوم: ومن نصب فعلى أن يكون الخبر على الجزاء، فكأنه قال الجزاء يوم لا تملك نفس.
يقول الله تعالى مخبراً { إن الأبرار لفي نعيم } وهم الذين يفعلون الطاعات التي يستحقون بها الجنة والثواب بأنواع اللذات جزاء على طاعاتهم، واخبر أيضاً { وإن الفجار } وهم الذين خرجوا عن طاعة الله إلى معصيته والمراد به - ها هنا - الكفار { لفي جحيم } جزاء على كفرهم ومعاصيهم { يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين } يعني لا يكونون غائبين عن الجحيم بل يكونون مؤبدين فيها، وليس يدل ذلك على أن فساق أهل الملة لا يخرجون من النار، لأنا بينا أن الآية مخصوصة بالكفار من حيث بينا فى غير موضع أن معهم ثواباً دائماً على إيمانهم لم ينحبط لبطلان القول بالتحابط، فاذاً لا بد من إخراجهم من النار ليوفوا ثوابهم. وقوله { يصلونها يوم الدين } معناه إن الفجار يصلون في الجحيم يو م الجزاء على الاعمال. وسمي الاسلام ديناً لانه يستحق به الجزاء لان أصل الدين الجزاء، ودين اليهودية وغيرها يستحق بها العقاب. ومعنى قوله { يصلونها } يلزمونها بكونهم فيها ومنه المصطلي الملازم للنار متدفياً بها، صلى يصلي صلا واصطلى يصطلي اصطلاء.
وقوله { وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين } تعظيم ليوم الجزاء بلفظ الاستفهام، والغرض فيه التنبيه على عظم حاله وما يستحق به من ثواب وعقاب ليعمل العباد بما يؤديهم إلى الثواب والجنة والنجاة من العقاب، وعظم يوم الدين لشدة الحاجة إلى نعيم الجنة، والنجاة من النار ومن جملة العصاة، فلا يوم أعظم من ذلك.
ثم فسر تعالى ذلك وبينه بعد أن عظمه فقال { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً } ومعناه لا يملك أحد الدفاع عن غيره ممن يستحق العقاب كما يملك كثير من الناس ذلك في الدنيا، فان الامر في ذلك اليوم لله وحده لم يملك أحداً شيئاً من الأمور كما ملكهم اشياء كثيرة في دار الدنيا. وقيل: معناه إنه لا يمكن أحداً أن يجازي احداً إلا بالحق بأمر الله تعالى.