التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ
١٠
فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً
١١
وَيَصْلَىٰ سَعِيراً
١٢
إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً
١٣
إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ
١٤
بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً
١٥
-الانشقاق

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ نافع وابن عامر وابن كثير والكسائي { يصلى } بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام. الباقون بفتح الياء وإسكان الصاد خفيفة. وأماله أهل الكوفة إلا عاصماً.
لما ذكر الله تعالى حكم من يعطى كتابه بيمينه من المؤمنين وأهل الطاعات وما أعد لهم من أنواع النعيم وإنقلابه إلى أهله مسروراً، ذكر حكم الكفار الذين يعطون كتاب أعمالهم وراء ظهورهم، وروي أنه يخرج شماله من ظهره، ويعطي كتابه فيه. والوجه فى ذلك ما قدمناه من كون ذلك امارة للملاكة والخلائق أنه من أهل النار كما أن إعطاء الكتاب باليمين علامة على أنه من أهل الجنة.
ثم حكى ما يحل به فقال { فسوف يدعو ثبوراً } فالثبور الهلاك أي يقول واهلاكاه. والمثبور الهالك. وقيل: إنه يقول واثبوراه. وقال الضحاك يدعو بالهلاك. وأصل الثبور الهلاك يقال: ثبره الله يثبره ثبراً إذا أهلكه. ومثبر الناقة الموضع الذى تطرح ولدها فيه، لانها تشفي به على الهلاك، وثبر البحر إذا جزر لهلاكه بانقطاع مائه، يقال: تثابرت الرجال فى الحرب إذا تواثبت، لاشفائها على الهلاك بالمواثبة. والمثابر على الشيء المواظب عليه لحمله نفسه على الهلاك بشدة المواظبة. وثبير جبل معروف والمثبرة تراب شبيه بالنورة إذا وصل عرق النخل اليه وقف، لانه يهلكه، وإنما يقول: واويلاه والهفاه واهلاكاه، لأنه ينزل به من المكروه لأجله مثل ما ينزل بالمتفجع عليه.
وقوله { ويصلى سعيراً } معناه إن من هذه صفته يلزم الكون فى السعير، وهي النار المتوقدة على وجه التأبيد.
وقوله { إنه كان في أهله مسروراً } معناه إنه اقتطعه السرور بأهله عما يلزمه أن يقدمه. فهو ذم له بهذا المعنى، ولو لم يكن إلا السرور بأهله لم يذم عليه وقيل: معناه إنه كان فى أهله مسروراً بمعاصي الله ثم اخبر عنه { إنه ظن } في دار التكليف { أن لن يحور } أى لن يبعثه الله للجزاء، ولا يرجع حياً بعد أن يصير ميتاً يقال: حار يحور حوراً إذا رجع، وتقول: كلمته فما أحار جواباً أى ما ردّ جواباً. وفى المثل (نعوذ بالله من الحور بعد الكور) أى من الرجوع إلى النقصان بعد التمام، وحوره إذا رده إلى البياض والمحور البكرة، لانه يدور حتى يرجع إلى مكانه، والمعنى إنه ظن ان لن يرجع إلى حال الحياة فى الآخرة، فلذلك كان يرتكب المآثم وينتهك المحارم. فقال الله رداً عليه ليس الأمر على ما ظنه { بلى } إنه يرجع حياً ويجازى على أفعاله.
وقوله { إنه كان به بصيراً } معناه إنه يخبر عن أنه لن يجوز، بلى ويقطع الله عليه بأنه يجوز على انه بصير به وبجميع الامور.