التفاسير

< >
عرض

فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ
١٦
وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ
١٧
وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ
١٨
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ
١٩
فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٢٠
وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ
٢١
بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ
٢٢
وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ
٢٣
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٢٤
إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
٢٥
-الانشقاق

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بفتح الباء من { لتركبن } ومعناه لتركبن أنت يا محمد. الباقون بضم الباء على أن يكون خطاباً للجميع.
يقول الله تعالى مقسماً بالشفق، وقد بينا أن (لا) صلة في مثل هذا، والتقدير أقسم، وقد بينا أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لاحد أن يقسم إلا بالله. وقال بعضهم: أقسم برب الشفق، والشفق هو الحمرة التي تبقى عند المغرب في الافق، وقال الحسن وقتادة: الشفق الحمرة بين المغرب والعشاء الآخرة. وقال قوم: هو البياض. والصحيح أن الشفق هو الحمرة الرقيقة في المغرب بعد مغيب الشمس وأصله الشفق في العمل، وهو الرقة على خلل فيه، وأشفق على كذا إذا رق عليه وخاف هلاكه. واشفق إذا رق بالخوف من وقوعه. قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: عليّ ثوب كأنه الشفق يريد حمرة. والاعتبار بالشفق أنه علامة لوقت بعينه لا يختلف اقتضى اثبات عالم به.
وقوله { والليل وما وسق } قسم آخر بالليل وإتساقه. وقيل: معنى وسق جمع إلى مسكنه ما كان منتشراً بالنهار في تصرفه، يقال: وسقته أسقه وسقاً إذا جمعته، وطعام موسوق أى مجموع في الغرائر والاوعية. والوسق الطعام المجتمع وقدره ستون صاعاً.
وقوله { والقمر إذا اتسق } قسم آخر بالقمر واتساقه أى اجتماعه على تمام وهو افتعال من الوسق، فاذا تم نور القمر واستمر في ضيائه، فذلك الاتساق له. وقال قتادة: معناه إذا استدار. وقال مجاهد: إذا استوى.
وقوله { لتركبن طبقاً عن طبق } جواب القسم، ومعناه منزلة عن منزلة وطبقة عن طبقة وذلك أن من كان على صلاح دعاه إلى صلاح فوقه، ومن كان على فساد دعاه إلى فساد فوقه، لان كل شيء يحن الى شكله. وقيل: معنى { طبقاً عن طبق } جزاء عن عمل. وقيل: معناه شدة عن شدة. وقيل: طبقات السماء بعروج الارواح. وقيل: معناه حالا عن حال من أحياء وإماتة، ثم أحياء. وقيل: معناه لتصيرن الى الآخرة عن الدنيا. وقال ابو عبيدة: معناه لتركبن سنة الاولين ومن كان قبلكم. ثم قال على وجه التبكيت لهم والتفريع { فما لهم لا يؤمنون } أى أىّ شيء لهم لأجله لا يصدقون بالله واليوم الآخر ولا يعترفون بالثواب والعقاب. وقيل: معناه ما لهم لا يؤمنون أى ما وجه الارتياب الذى يصرفهم عن الايمان.
وقوله { وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } عطف على قوله { لا يؤمنون } والمعنى ما الذى يصرفهم عن الايمان وعن السجود لله والخضوع له والاعتراف بوحدانيته إذا بلي عليهم القرآن الذى أنزلته على محمد صلى الله عليه وآله الذى يلين القلب للعمل من الوعظ والوعد والوعيد يميز به بين الحق والباطل، وهو مع ذلك معتذر عليهم الاتيان بمثله، فهو معجز له صلى الله عليه وآله.
ثم قال تعالى { بل الذين كفروا يكذبون } معناه إن الذى يمنعهم من السجود عند تلاوة القرآن تكذيبهم جهلا بما عليهم وعدولا عن الحق. وفي ذلك التحذير من الجهل والحث على طلب العلم. وقيل: معناه ما لهم لا يؤمنون، ولا بد من الجزاء على الاعمال ثم قال: تكذيبهم عن جهل منهم يصرفهم عن ذلك.
وقوله { والله أعلم بما يوعون } قال قتادة ومجاهد: معناه بما يوعون في صدورهم وإنما قال: يوعون، لأنهم يحملون الآثام في قلوبهم، فشبه ذلك بالوعاء، يقال: أوعيت المتاع ووعيت العلم، قال الفراء: الاصل جعل الشيء في وعاء، والقلوب شبه أوعية لما يحصل فيها من معرفة او جهل.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله { فبشرهم } يا محمد جزاء على كفرهم { بعذاب أليم } أي مؤلم. ثم استثنى من جملة من يخاطبه فقال { إلا الذين آمنوا } بالله { وعملوا } الاعمال { الصالحات لهم أجراً غير ممنون } أي غير منقوص، فى قول ابن عباس وقال غيره: غير مقطوع، وقيل: غير منغص بالمن الذى يؤذي. وإنما قيل له: منّ، لانه قطع له عن شكر النعمة. قال الزجاج: تقول العرب: مننت الحبل إذا قطعته قال لبيد:

لمعفر قهد تنازع شلوه غبس كواسب ما يمنّ طعامها

أى ما ينقص، وقيل ما يكدر، وكان ابن مجاهد ومحمد بن القاسم الانبارى يقفان على قوله { فبشرهم بعذاب أليم } ويبتدؤن بقوله { إلا الذين آمنوا } قال ابن خالويه: فسألتهما عن ذلك فقالا: الاستثناء منقطع ومعناه (لكن).