التفاسير

< >
عرض

وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى
١١
ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ
١٢
ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا
١٣
قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ
١٤
وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ
١٥
بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا
١٦
وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ
١٧
إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ
١٨
صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ
١٩
-الأعلى

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو عمرو وحمزة { بل يؤثرون } بالياء على الخبر عن الغائب. الباقون بالتاء على الخطاب للمواجهين، وأدغم اللام فى التاء حمزة والكسائي إلا قتيبة والحلواني عن هشام فى كل موضع.
لما أمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله بالتذكرة وبين انه ينتفع بها من يخاف عقابه ذكر - ها هنا - أنه يتجنبها أي يتجنب الذكرى الاشقى، فالتجنب المصير في جانب عن الشيء بما ينافي كونه، فهذا الشقي تجنب الذكرى بأن صار بمعزل عنها بما ينافي كونها، فالشقوة حالة تؤدي إلى شدة العقاب ونقيضها السعادة، شقي يشقى شقوة وشقاء وأشقاه الله يشقيه اشقاء عاقبه عقاباً بكفره وسوء عمله.
ثم بين ان هذا الشقي هو { الذي يصلى النار الكبرى } يعني نار جهنم، ووصفها بالكبرى لان الحاجة إلى اتقائها أشد وذلك من كبر الشأن إذ الكبير الشأن هو المختص بشدة الحاجة اليه أولى باتقائه، فكلما كان اكبر شأناً فالحاجة اليه أشد. وقال الحسن: النار الكبرى نار جهنم، والنار الصغرى نار الدنيا، وقال الفراء: النار الكبرى التي في الطبقة السفلى من جهنم.
وقوله { ثم لا يموت فيها ولا يحيى } معناه إن هذا الشقي لا يموت في النار فيتخلص من العذاب، ولا يحيى حياة له فيها لذة، بل هو في ألوان العذاب وفنون العقاف. وقيل: لا يجد روح الحياة. وقوله { قد أفلح من تزكى } معناه قد فاز من تزكى يعني صار زاكياً بأن عمل الطاعات - في قول ابن عباس والحسن - وقال ابو الاحوص وقتادة: يعني من زكى ماله { وذكر اسم ربه } على كل حال { وصلى } على ما أمره الله به. ثم خاطب الخلق فقال { بل تؤثرون الحياة الدنيا } أي تختارون الحياة الدنيا على الآخرة بأن تعملوا الدنيا ولا تعملوا للاخرة، وذلك على وجهين: احدهما - يجوز للرخصة. والآخر - محظور معصية لله.
ثم قال تعالى { والآخرة خير وأبقى } أي منافع الآخرة من الثواب وغيره خير من منافع الدنيا وأبقى، لانها باقية وهذه فانية منقطعة.
وقوله { إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى } يعني ما ذكره الله وفصله من حكم المؤمن والكافر وما أعد الله لكل واحد من الفريقين مذكور فى كتب الأولين فى الصحف المنزلة على إبراهيم والتوراة المنزلة على موسى. وقيل من قوله { قد أفلح من تزكى } إلى آخر السورة هو المذكور فيها، وقيل "من تزكى وذكر اسم ربه فصلى" فهو ممدوح فى الصحف الأولى، كما هو ممدوح فى القرآن. وقيل: كتب الله كلها أنزلت فى شهر رمضان فأما القرآن فانه أنزل لاربع عشرة منه. وفى ذلك دلالة على أن إبراهيم كان قد أنزل عليه كتاب بخلاف قول من ينكر نبوته ويزعم أنه لم ينزل عليه كتاب، ولا يكون نبي إلا ومعه كتاب، حكي ذلك عن النصارى أنهم قالوا: لم يكن ابراهيم نبياً، وإنما كان رجلا صالحاً.