التفاسير

< >
عرض

وَٱلْفَجْرِ
١
وَلَيالٍ عَشْرٍ
٢
وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ
٣
وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ
٤
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ
٥
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ
٦
إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ
٧
ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ
٨
وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ
٩
وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ
١٠
ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ
١١
فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ
١٢
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ
١٣
إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ
١٤
-الفجر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة والكسائي وخلف { والوتر } بكسر الواو. الباقون بفتحها وهما لغتان. قال ابو عبيدة: الشفع الزكا والوتر الخسا. وقرأ نافع وابو عمرو { يسري } بياء فى الوصل دون الوقف. وقرأ ابن كثير بياء فى الوصل والوقف، وكذلك { بالوادي } الباقون بغير ياء فى وصل ولا وقف. من أثبت الياء، فلأنها الأصل ومن حذفها، فلأنها رأس آية والفواصل تحذف منها الياآت.
هذا قسم من الله تعالى بالفجر وليال عشر، وقسم منه بالشفع والوتر والليل إذا يسري، وجواب القسم قوله { إن ربك لبالمرصاد } و { الفجر } شق عمود الصبح فجره الله لعباده يفجره فجراً إذا أظهره في أفق المشرق مبشراً بادبار الليل المظلم وإقبال النهار المضيء، والفجر فجران: احدهما المستطيل، وهو الذي يصعد طولا كذنب السرحان ولا حكم له في الشرع، والآخر هو المستطير، وهو الذي ينشر في افق السماء، وهو الذي يحرم عنده الأكل والشرب لمن أراد الصوم في شهر رمضان، وهو ابتداء اليوم. وقال عكرمة والحسن: الفجر فجر الصبح.
وقوله { وليال عشر } قال ابن عباس والحسن وعبد الله بن الزبير ومجاهد ومسروق والضحاك وابن زيد: وهي العشر الأول من ذي الحجة شرفها الله تعالى ليسارع الناس فيها إلى عمل الخير واتقاء الشر على طاعة الله في تعظيم ما عظم وتصغير ما صغره، وينالون بحسن الطاعة الجزاء بالجنة. وقال قوم: هي العشر من أول محرم، والاول هو المعتمد.
وقوله { والشفع والوتر } قال ابن عباس وكثير من أهل العلم: الشفع الخلق بما له من الشكل والمثل، والوتر الخالق الفرد الذي لا مثل له، وقال الحسن: الشفع الزوج، والوتر الفرد من العدد، كأنه تنبيه على ما في العدد من العبرة بما يضبط لأنه من المقادير التى يقع بها التعديل. وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك: الشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفه، ووجه ذلك أن يوم النحر مشفع بيوم نحر بعده، وينفرد يوم عرفه بالموقف وفي رواية أخرى عن ابن عباس ومجاهد ومسروق وابي صالح:، أن الشفع الخلق، والوتر الله تعالى. وقال ابن زيد: الشفع والوتر كله من الخلق. فقال عمران بن حصين: الصلاة فيها شفع وفيها وتر، وقال ابن الزبير: الشفع: اليومان الأولان من يوم النحر والوتر اليوم الثالث. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: الوتر آدم والشفع زوجته. قال ابو عبيدة: يقال أوترت ووترت.
وقوله { والليل إذا يسري } معناه يسير ظلاماً حتى ينقضي بالضياء المبتدئ ففي تسييره على المقادير المرتبة، ومجيئه بالضياء عند تقضيه في الفصول أدل دليل على أن فاعله يختص بالعز والاقتدار الذي يجلّ عن الأشباه والامثال.
وقوله { هل في ذلك قسم لذي حجر } أى لذي عقل - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن - وقيل العقل الحجر، لانه يعقل عن المقبحات ويزجر عن فعلها، يقال: حجر يحجر حجراً إذا منع من الشيء بالتضييق، ومنه حجر الرجل الذي يحجر على ما فيه، ومنه الحجر لامتناعه بصلابته.
وقوله { ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد } خطاب من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله، وتنبيه للكفار على ما فعل بالامم الماضية لما كفروا بوحدانية الله، واعلام لهم كيفية إهلاكهم. وقيل: عاد الأولى عاد ابن آرم. وقيل: إن { إرم } بلد منه الاسكندرية - في قول القرطي - وقال المعرّي: هو دمشق. وقال مجاهد: هم أمة من الامم. وقال قتادة: هم قبيلة من عاد. وقوله { ذات العماد } قال ابن عباس ومجاهد: ذات الطول من قولهم: رجل معمد إذا كان طويلا. وقيل ذات عمد للابيات ينتقلون من مكان إلى مكان، للانتجاع - ذكره قتادة - وقال ابن زيد: ذات العماد في إحكام البنيان. وقال الضحاك: معناه ذات القوى الشداد. وقال الحسن: العماد الابنية العظام. وقيل: ان { إرم } هو سام بن نوح، وترك صرفه لأنه أعجمي معرفة.
وقوله { التى لم يخلق مثلها في البلاد } يعني في عظم أجسامهم وشدة قوتهم
وقوله { وثمود الذين جابوا الصخر بالواد } موضع { ثمود } جر بالعطف على قوله { بعاد } أى وثمود ولم يجره لانه أعجمى معرفة، ومعنى { جابوا الصخر } أى قطعوا الصخر من الجبال بشدة قوتهم، يقال: جاب يجوب إذا قطع قال النابغة:

اتاك ابو ليلي يجوب به الدجى دجى الليل جواب الغلاة غشمشم

قال مجاهد: قطعوا الجبال بيوتاً كما قال { وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين } وقوله { وفرعون ذي الأوتاد } قال ابن عباس: معناه ذي الجنود الذين كانوا يشدون أمره. وقال مجاهد: كان يوتد الأوتاد فى ايدى الناس. وقال قتادة: ملاعب كان يلعب له فيها، ويضرب تحتها بالاوتاد. وقيل: ذى الاوتاد لكثرة الاوتاد التي كانوا يتخذونها للمضارب ولكثرة جموعهم، وكان فيهم أكثر منه فى غيرهم، وقيل: إن فرعون كان إذا غضب على الرجل مده بين أربعة أوتاد حتى يموت.
وقوله { الذين طغوا في البلاد } معناه إن هؤلاء الذين ذكرناهم تجاوزوا فى الظلم الحد فى البلاد، وخرجوا عن حد القلة وفسر ذلك بقوله { فأكثروا فيها الفساد } يعني اكثروا فى البلاد الفساد، ثم بين ما فعل بهم عاجلا فقال { فصب عليهم ربك } يا محمد صلى الله عليه وآله { سوط عذاب } أى قسط عذاب كالعذاب بالسوط الذى يعرف إلا أنه اعظم، ويجوز أن يكون عنى قست عذاب يخالط اللحوم والدماء كما يخالط بالسوط من قولهم: ساطه يسوطه سوطاً فهو سائط قال الشاعر:

أحارث إنا لو تساط دماؤنا تزايلن حتى لا يمسّ دم دما

وقيل: المعنى إنه جعل سوطه الذى ضربهم به انه صب عليهم العذاب. وقوله { إن ربك لبالمرصاد } معناه إن ربك يا محمد لا يفوته شيء من اعمال العباد كما لا يفوت من بالمرصاد. والمرصاد مفعال من رصده يرصده رصداً، فهو راصد إذا راعى ما يكون منه ليقابله بما يقتضيه، وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام اين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والارض؟ فقال: { أين } سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان. وقيل لا عرابي: أين ربك يا اعرابي؟! قال بالمرصاد. وقال ابن عباس معناه إنه يسمع ويرى أعمال العباد. وقال الحسن والضحاك: لبالمرصاد بانصاف المظلوم من الظالم، ومعناه لا يجوزه ظلم ظالم حتى ينصف المظلوم منه.