التفاسير

< >
عرض

لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ
١٠٨
-التوبة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

نهى الله نبيه - وعنى معه جميع المؤمنين - أن يقوموا في المسجد الذي بني ضراراً { أبداً } أو يصلوا فيه، وأقسم ان المسجد الذي { أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه } وقيل في المسجد الذي اسس على التقوى قولان:
احدهما - قال ابن عباس والحسن وعطية: إنه مسجد قباء.
وقال ابن عمرو ابن المسيب: هو مسجد المدينة. وقال عمر بن شبه: المسجد الذي اسس على التقوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله والذي اسس على تقوى ورضوان مسجد قباء كذلك فصل بينهما، ورواه عن أشياخه. والتقوى خصلة من الطاعة يحترز بها من العقوبة، والمتقي صفة مدح لا تطلق الا على مستحق الثواب. وواو (تقوى) ابدلت من الياء، لأنه من تقيت وانما ابدلت للفرق بين الاسم والصفة في الابنية. ومثله شروى من شريت، فأما الصفة فنحو خزياً. ولو قيل: كيف يبنى (فعلى) من قصيت؟ قلت: قصوى في الاسم وقصيا في الصفة. وقوله { من أول يوم } معناه اول الأيام اذا ميزت يوماً يوماً، لان افعل بعض ما اضيف اليه. ومثله اعطيت كل رجل في الدار اي كل الرجال إذا ميزوا رجلا رجلا. والفرق بين من اول يوم، ومنذ اول يوم، ان (منذ) اذا كانت حرفاً، فهي الوقت الخاص كقولك: منذ اليوم ومنذ الشهر ومنذ السنة، وليس كذلك (من) وإذا كانت اسما وقع على ما بعدها على تقدير كلامين و (من) على النهاية لأنها نقيض (إلى) قال زهير:

لمن الديار بقنة الحجر أقوين من حجج ومن شهر

وقوله { أحق أن تقوم فيه } مع أن القيام في الأخر قبيح منهي عنه، وانما قال ذلك على وجه المظاهرة بالحجة بأنه لو كان من الحق الذي يجوز لكان هذا أحق. ويجوز على هذا أن تقول: عمل الواجب أصلح من تركه. وقيل: المراد به القيام فيه حق ظاهراً وباطناً اذ كانت الصلاة في المساجد على ظاهرها حق.
وقوله { فيه رجال } الأول ظرف للقيام. والثاني ظرف لكون الرجال وقوله { يحبون أن يتطهروا } قال الحسن: معناه يريدون أن يتطهروا من الذنوب وقيل: يتطهرون بالماء من الغائط والبول، وهو المروي عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام ثم قال { والله يحب المطهرين } اي يريد منافع المتطهرين من الذنوب وكذلك المتطهرين من النجاسة بالماء.
" وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأهل قباءماذا تفعلون في طهركم فإن الله أحسن عليكم الثناء قالوا: نغسل أثر الغائط فقال أنزل الله فيكم والله يحب المطهرين" . وقيل: إن سبب نزول هذه الاية أن أهل مسجد ضرار جاءوا اليه، فقالوا يا رسول الله بنينا مسجداً للضعيف في وقت المطر نسألك أن تصلي فيه وكان متوجهاً إلى تبوك فوعدهم أن يفعل إذا عاد فنهاه الله عن ذلك. وقوله { والذين اتخذوا مسجداً } مبتدأ وخبره في قوله { لا تقم فيه أبداً } كما تقول: والذي يدعوك إلى الغي فلا تسمع دعاءه. والتقدير في الآية لا تقم في مسجدهم أبداً. واسقط ذلك اختصاراً.