التفاسير

< >
عرض

أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ
١٢٦
-التوبة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة ويعقوب { أولا ترون } بالتاء. الباقون بالياء.
قوله { أولا يرون } تنبيه وتقريع لمن عنى بالخطاب.
فمن قرأ بالتاء فوجهه أن المؤمنين نبهوا على إعراض المنافقين عن النظر والتدبر لما ينبغي أن ينظروا فيه ويتدبروا، لأنهم يمتحنون بالأمراض والأسباب التي لا يؤمن معها الموت، فلا يرتدعون عن كفرهم ولا ينزجرون عما هم عليه من النفاق، فلا يقدمون عليه اذا ماتوا فنبه المسلمين على قلة اعتبارهم واتعاظهم.
ومن قرأ بالياء وجّه التقريع - بالاعراض عما يجب أن لايعرضوا عنه من التوبة والاقلاع عما هم عليه من النفاق - إلى المنافقين دون المسلمين، لان المسلمين قد عرفوا ذلك من امرهم. وكان الاولى أن يلحق التنبيه من يراد تنبيهه وتقريعه بتركه ما ينبغي ان يأخذ به. وتحتمل الرؤية في الآية على القراءتين أن تكون متعدية إلى مفعولين. وأن تكون من رؤية العين أولى فاذا جعلت متعدية إلى مفعولين سدّ (أن) مسدّهما. وإن جعلت من رؤية العين كان أولى، لأنهم مبتلون في الاعراض عنه على ترك الاعتبار به، وهذا أبلغ من المتعدية إلى مفعولين ألا ترى أن تارك الاستدلال أعذر ممن يكابر المشاهدات. ولو قرئ بضم الياء وبني الفعل للمفعول به كان (ان) في موضع نصب بأنه مفعول الفعل الذي يتعدى إلى مفعول، وفتحت الواو في قوله { أولا } لأنها واو العطف دخلت عليها الف الاستفهام، فهو متصل بذكر المنافقين ومتصل بذكر آخرين ذكرهم بدليل العلامتين الواو والألف.
والفتنة المحنة بالقتل والسبي ونصر الله لنبيه حتى يستعلي على كل من ناواه - في قول الحسن وقتادة - وقال مجاهد: هي بالقحط والجوع. وقال الجبائي: هي بالمرض الذي ينزل بهم. وقيل: تهتك استارهم بما يظهره الله من سوء نياتهم وخبث سرائرهم. وقال الزجاج: معناه انهم يختبرون بالدعاء إلى الجهاد، وهو قول الحسن وقتادة: واجاز الرماني أن تفعل التوبة خوفاً من العقاب، كما يجوز أن تفعل لقبح المعصية. قال: لأن كل واحد من الأمرين يدعوا اليه الفعل. ومن جحد أحد الأمرين كمن جحد الآخر. والذي عليه أكثر أهل العدل أنه لا يجوز أن تفعل التوبة الا لوجه قبح المعصية. ومتى فعلت لخوف العقاب لم تكن مقبولة.
وقوله { ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون } اخبار منه تعالى انه مع ما يمتحنهم في كل سنة دفعة او دفعتين فانهم لا يقلعون عن المعاصي ولا يتوبون منها ولا يتفكرون فيها. والتذكير طلب الذكر بالفكر فيه.