التفاسير

< >
عرض

قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ
١٤
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٥
-التوبة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا امر من الله تعالى للمؤمنين بأن يقاتلوا هؤلاء الناقضين للعهد البادئين بقتال حلفاء النبي صلى الله عليه وآله من خزاعة، فانهم اذا قاتلوهم يعذب الله الكفار بأيديهم يعني بأيدي المؤمنين الذين يقاتلونهم، وينصركم ايها المؤمنون ينصركم الله { عليهم ويشف } بذلك { صدور قوم مؤمنين } وفي ذلك دليل على انه اشتد غضب جماعة المؤمنين لله، فوعدهم الله النصر، في قول قتادة والزجاج. وفيها دلالة على نبوة النبي صلى الله عليه وآله لأنه وعده النصر فكان الأمر على ما قال. وقوله { ويذهب غيظ قلوبهم } قيل المراد بهم خزاعة الذين قاتلوهم، في قول السدي وغيره، لانهم كانوا حلفاء النبي صلى الله عليه وآله. والتعذيب ايقاع العذاب لصاحبه والعذاب الم يستمر به، قال عبيد ابن الابرص:

والمرء ما عاش في تكذيب طول الحياة له تعذيب

ومعنى { يعذبهم الله بأيديكم } اي انكم اذا تناولتموهم بالسلاح من السيوف والنبل والرماح انزل الله بهم العذاب. وقال ابو علي: ذلك مجاز والمعنى انه لما كان ذلك بأمر الله اضافه إلى نفسه، وهو احسن من الاول.
وقوله { ويخزهم } معناه يذلهم والاخزاء الاذلال بما فيه الفضيحة على صاحبه خزي خزياً واخزاه الله إخزاء. ويجوز في { ويخزهم } ثلاثة أوجه من الاعراب: الجزم باللفظ وعليه القراء. والنصب على الظرف، والرفع على الاستئناف ولم يقرأ بهما.
وقوله { ويشف صدور قوم مؤمنين } فالشفاء سلامة النفس بما يزيل عنها الأذى، فكلما وافق النفس وأزال عنها الهم فهو شفاء وقيل { ويشف صدور قوم مؤمنين } يعني خزاعة، لأنهم نقضوا العهد بقتالهم - في قول مجاهد والسدي - والصدور جمع الصدر وهو الموضع الاجل الذي يصدر عنه الأمر، ومنه الايراد والاصدار.
وقوله { ويذهب غيظ قلوبهم } معناه يبطل غيظهم ويعدمه. والاذهاب جعل الشيء يذهب والذهاب الانتقال عن الشيء، والمجيء الانتقال إلى الشيء، والغيظ نقض الطبع بانزعاج النفس. تقول: غاظه يغيظه غيظاً واغتاظ اغتياظاً وغايظه مغايظة.
وقوله { ويتوب الله على من يشاء } معناه يقبل الله توبة من يشاء من عباده.
ووجه اتصال قوله { ويتوب الله على من يشاء } بما قبله من وجهين:
احدهما - بشارتهم بأن فيهم من يتوب ويرجع عن الكفر إلى الايمان.
والآخر - انه ليس في قتالهم اقتطاع لأحد منهم عن التوبة.
ورفع { ويتوب } بخروجه عن موجب القتال فاستأنفه.
وقوله { والله عليم حكيم } معناه عليم بتوبتهم إذا تابوا حكيم في أمركم بقتالهم إذا نكثوا قبل أن يتوبوا ويرجعوا، لان أفعاله كلها صواب وحكمة.