التفاسير

< >
عرض

يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٧٤
-التوبة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اختلفوا فيمن نزلت فيه هذه الآية، فقال عروة وابن اسحاق ومجاهد: إنها نزلت في الخلاس بن سويد بن الصامت بأنه قال: فان كان ما جاء به محمد حقاً لنحن شرّ من الحمير، ثم حلف بالله أنه ما قال. وقال قتادة: نزلت في عبد الله بن ابي بن سلول حين قال { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } وقال الحسن: كان ذلك في جماعة من المنافقين. وقال الواقدي والزجاج: نزلت في اهل العقبة فانهم ائتمروا أن يغتالوا رسول الله في عقبة في الطريق عند مرجعهم من تبوك. وأرادوا ان يقطعوا اتساع راحلته، واطلعه الله على ذلك. وكان ذلك من معجزاته صلى الله عليه وآله لأنه لا يمكن معرفة مثل ذلك إلا بوحي من الله تعالى، فسار رسول الله في العقبة وحده وأمر الناس كلهم بسلوك بطن الوادي وكانوا اثني عشر رجلا أو خمسة عشر رجلا على الخلاف فيه. وعرفهم واحداً واحداً عمار بن ياسر وحذيفة، وكان احدهما يقود ناقة رسول الله والآخر يسوقها، والحديث مشروح في كتاب الواقدي. وقال ابو جعفر عليه السلام كانوا ثمانية من قريش واربعة من العرب وقوله { وهموا بما لم ينالوا } قيل فيه ثلاثة اقوال:
احدها - قال مجاهد: هم المنافقون بما لم يبلغوه من التنفير برسول الله.
الثاني - قال قتادة: هموا بما ذكر في قوله { ليخرجن الأعز منها الأذل } فلم يبلغوا ذلك.
والثالث - عن مجاهد أنهم هموا بقتل من أنكر عليهم ذلك. وقال بعضهم: كان المنافقون قالوا: لو رجعنا وضعنا التاج على رأس عبد الله ابن ابي، فلما اوقفوا على ذلك حلفوا بأنهم ما قالوا ذلك ولا هموا به، فاخبر الله تعالى عن حالهم انهم يحلفون بالله ما قالوا، ثم اقسم تعالى بانهم قالوا ذلك، لان لام لقد لام القسم وانهم قالوا كلمة الكفر، وهي كل كلمة فيها جحد لنعم الله او بلغت منزلتها في العظم، وكانوا يطعنون في الاسلام والنبوة، وأخبر انهم هموا بما لم يبلغوه. والهم مقاربة الفعل بتغليبه في النفس تقول: هم بالشيء يهم هماً، ومنه قوله
{ { ولقد همت به وهم بها لولا أن رءا } وليس الهم من العزم في شيء إلا ان يبلغ نهاية العزم في النفس. والنيل لحوق الأمر. ومنه قوله (نال السيف ونال ما اشتهى او قدر او تمنى) فهؤلاء قدّروا في انفسهم من كيد الاسلام ما لم يبلغوه.
وقوله { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله } يعني ما فتح الله عليهم من الفتوح وأخذ الغنائم واستغنوا بعد أن كانوا محتاجين وقيل في معناه قولان: احدهما - انهم عملوا بضد الواجب فجعلوا موضع شكر الغنى أن نقموا قال الشاعر:

ما نقموا من بني أمية إلا انهم يحلمون ان غضبوا

والآخر - انهم بطروا النعمة بالغنى فنقموا بطراً واشراً فهم لا يفلحون بهذه الحال ولا بعدها. والفضل الزيادة في الخير على مقدار ما. والتفضل هو الزيادة من الخير الذي كان للقادر عليه ان يفعله وأن لا يفعله.
ثم قال تعالى { فإن يتوبوا } هؤلاء المنافقون ويرجعوا إلى الحق { يك خيراً لهم } في دينهم ودنياهم فانهم ينالون بذلك رضى الله ورسوله والجنة { وإن يتولوا } اي يعرضوا عن الرجوع إلى الحق وسلوك الطريق الصحيح { يعذبهم الله عذاباً أليماً } اي مؤلماً { في الدنيا } بما ينالهم من الحسرة والغم وسوء الذكر وانواع المصائب وفي { الآخرة } بعذاب النار { وما لهم في الأرض } اي ليس لهم في الارض { من ولي اي محب { ولا نصير } يعني من ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله. وقيل: إن خلاساً تاب بعد ذلك، وقال: استثنى الله تعالى لي التوبة فقبل الله توبته.