التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ
١١
إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا
١٢
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا
١٣
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا
١٤
وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا
١٥
-الشمس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل المدينة وابن عامر { فلا يخاف } بالفاء وكذلك هي فى مصاحف أهل المدينة وأهل الشام. الباقون بالواو، وكذلك فى مصاحفهم.
يقول الله تعالى مخبراً عن ثمود وهم قوم صالح { كذبت ثمود بطغواها } قال ابن عباس: يعني بعذابها أي بعذاب الطاغية فأتاها ما كذبت به. وقال مجاهد: بمعصيتها - وهو قول ابن زيد - وهو وجه التأويل، والطغوى والطغيان مجاوزة الحد فى الفساد وبلوغ غايته، تقول: طغى يطغي إذا جاوز الحد، ومنه قوله
{ لما طغى الماء } أي لما تجاوز المقدار على ما جرت به العادة وكثر. وقوله { إذا انبعث أشقاها } أى كان تكذيبها حين انبعث أشقى ثمود، وقيل اسمه قدار بن سالف.
وقال قوم: عقر الناقة هو تكذيبهم. وقيل: لا، بل هو غيره. وقيل: كانوا أقروا بأن لها شرباً ولهم شرب غير مصدقين بأنه حق. والشقاء شدة الحال فى مقاساة الآلام، فالاشقا هو الاعظم شقاء، ونقيض الشقاء السعادة، ونقيض السعود النحوس يقال: شقي يشقى شقاء، فهو شقي نقيض سعيد، واشقاه الله اشقاء.
وقوله { فقال لهم رسول الله } يعني صالحاً، فانه قال لهم: ناقة الله وتقديره فاحذروا ناقة الله، فهو نصب على الاغراء كما تقول: الأسد الاسد، أي احذره { وسقياها } فالسقاء الحظ من الماء. وهو النصيب منه، كما قال تعالى
{ لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } والسقي التعريض للشرب.
وقوله { فكذبوه } أي كذب قوم صالح صالحاً ولم يلتفتوا إلى قوله، { فعقروها } يعني الناقة. فالعقر قطع اللحم بما يسيل الدم عقره يعقره عقراً فهو عاقر، ومنه عقر الحوض وهو أصله، والعقر نقض الشيء عن أصل بنية الحيوان، وعاقر الناقة أحمر ثمود، وهم يروه وكلهم رضوا بفعله. فعمهم البلاء بأن عاقبهم الله تعالى لرضاهم بفعله. وقوله { فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها } معناه أهلكهم الله تعالى عقوبة على ذنوبهم من تكذيب صالح وعقر الناقة. وقيل: معنى دمدم عليهم دمر عليهم. وقيل: معناه أطبق عليهم بالعذاب يقال دمدمت على الشيء إذا ضيقت عليه، وناقة مدمدمة قد ألبسها الشحم، فاذا كررت الاطباق قلت دمدمت. وقيل { دمدم عليهم } أي غضب عليهم، فالدمدمة ترديد الحال المتكرهة، وهي مضاعفة ما فيه المشقة، فضاعف الله تعالى على ثمود العذاب بما ارتكبوا من الطغيان.
وقوله { فسواها } أي جعل بعضها على مقدار بعض فى الاندكاك واللصوق بالارض، فالتسوية تصيير الشيء على مقدار غيره.
وقوله { ولا يخاف عقابها } قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد: معناه لا يخاف الله تعالى تبعة الدمدمة. وقال الضحاك: معناه لم يخف الذي عقرها عقباها والعقبى والعاقبة واحد، وهو ما أدى اليه الحال الأولى، قال ابو علي: من قرأ بالفاء فللعطف على قوله { فكذبوه فعقروها } فلا يخاف كأنه تبع تكذيبهم عقرهم أي لم يخافوا. ومن قرأ (ولا) بالواو جعل الجملة فى موضع الحال، وتقديره فسواها غير خائف عقباها أي غير خائف أن يتعقب عليه فى شيء مما فعله.