التفاسير

< >
عرض

وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ
١
وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ
٢
وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٣
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ
٤
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ
٥
وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٦
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ
٧
وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ
٨
وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٩
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ
١٠
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ
١١
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ
١٢
وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ
١٣
-الليل

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا قسم من الله تعالى بالليل إذا غشيه الظلام، فاظلم وادلهمّ وغشى الأنام لما فى ذلك من الهول المحرك للنفس بالاستعظام.
ثم اقسم بالنهار إذا تجلى، ومعناه إذا أنار وظهر للابصار لما فى ذلك من الاعتبار. وقيل التقدير والليل إذا يغشى النهار، فيذهب بضوئه { والنهار إذا تجلى } أي جلى الليل، فأذهب ظلمته، ذكره الحسن. والغشي إلباس الشيء ما يغمر ويستر جملته، وإنما كرر ذكرهما فى السورتين لعظم شأنهما، وجلالة موقعهما فى باب الدلالة على توحيد الله - ذكره قتادة -.
وقوله { وما خلق الذكر والأنثى } للتناسل بينهما. ويحتمل أن يكون المراد ومن خلق الذكر والانثى، وفى قراءة عبد الله { والذي خلق الذكر والأنثى } لان (ما) بمعني الذي، وهو الله، فيكون القسم بالله. وعلى الأول يكون القسم بخلق الله. وقيل: المراد بالذكر والانثى آدم وحواء عليهما السلام.
وقوله { إن سعيكم لشتى } جواب للقسم، ومعناه إن سعيكم لمختلف، فسعي المؤمن خلاف سعي الكافر. ومعنى "شتى" أي متفرق على تباعد ما بين الشيئين جداً، ومنه شتان أي بعد ما بينهما جداً كبعد ما بين الثرى والثريا. ويقال: تشتت أمر القوم وشتتهم ريب الزمان.
وقوله { فأما من أعطى واتقى } معناه من أعطى حق الله واتقى محارم الله - ذكره قتادة - { وصدق بالحسنى } قال ابن عباس وعكرمة: وصدق بالخلف. وقال الضحاك: صدق بتوحيد الله، وقال مجاهد والحسن: يعني صدق بالجنة. وقال قتادة: بوعد الله، والحسنى النعمة العظمى بحسن موقعها عند صاحبها، وهذه صفة الجنة التي أعدها الله تعالى للمتقين وحرمها من كذب بها.
وقوله { فسنيسره لليسرى } معناه يسهل عليه الأمر، فالتيسير تصيير الأمر سهلا. ومثله التسهيل والتخفيف، ونقيض التيسير التعسير وهو تصير الامر صعباً. واليسير نقيض العسير، يقال: أيسر إذا كثر ماله ويوسر ايساراً. وتقديره فسنيسره للحال اليسرى، فلذلك أنث فحال اليسير اليسرى، وحال العسير العسرى. والتيسير لليسرى يكون بأن يصيرهم إلى الجنة، والتيسير للعسرى بأن يصيرهم إلى النار. ويجوز أن يكون المراد بالتمكين من سلوك طريق الجنة، والتمكين من سلوك طريق النار. ومعناه إنا لسنا نمنع المكلفين من سلوك أحد الطريقين ولا نضطرهم اليه، وإنما نمكنهم بالاقرار عليهما ورفع المنع، والترغيب فى احداهما، والتزهيد فى الاخرى. فان احسن الاختيار اختار ما يؤديه إلى الجنة. وإن أساء فاختار ما يؤد به إلى النار فمن قبل نفسه أتى.
وقوله { وأما من بخل واستغنى } يعني به من منع حق الله الذي أوجب عليه من الزكاة والحقوق الواجبة في ماله، واستغنى بذلك وكثر ماله، فسنيسره للعسرى يعني طريق النار. وقد بينا كيفية تيسير الله لذلك من التمكين أو التصيير فلا حاجة لاعادته. والعسرى البلية العظمى بما تؤدي اليه، ونقيضها اليسرى، وهو مأخوذ من العسر واليسر، فحال العسر العسرى وحال اليسر اليسرى، ومذكره الأيسر، والأمر الأعسر. وقال الفراء: المعنى فسنيسره للعود إلى الصالح من الاعمال ونيسره من الاعمال للعسرى على مزاوجة الكلام. والأولى أن تكون الآيتان على عمومهما فى كل من يعطي حق الله، وكل من يمنع حقه، لانه ليس - ها هنا - دليل قاطع على أن المختص بها إنسان بعينه، وقد روي أنها نزلت فى أبي الدحداح الانصاري، وسمرة بن حبيب، ورووا فى ذلك قصة معروفة. وروي فى غيره.
وقوله { وما يغنى عنه ماله إذا تردى } معناه أي شيء يغني عن هذا الذي بخل بماله، ولم يخرج حق الله منه "إذا تردى" يعني فى نار جهنم - فى قول قتادة وابي صالح - وهو المروي عن ابي جعفر عليه السلام. وقال مجاهد: معناه إذا مات. وقال قوم: معناه { إذا تردى } فى القبر أي شيء يغنيه. وقيل { إذا تردى } فى النار فما الذي يغنيه.
وقوله { إن علينا للهدى } قال قتادة معناه إن علينا لبيان الطاعة من المعصية وقيل فى قوله { إن علينا للهدى } دلالة على وجوب هدى المكلفين إلى الدين، وانه لا يجوز إضلالهم منه. وقوله { وإن لنا للآخرة } معناه الاخبار من الله بأن له دار الآخرة والجزاء فيها على الأعمال، والامر والنهي ليس لاحد سواه، لان دار الدنيا قد ملك فيها أقواماً التصرف، وقوله { والأولى } معناه وإن لنا الأولى ايضاً يعني دار الدنيا. فانه الذي خلق الخلق فيها، وهو الذي مكنهم من التصرف فيها وهو الذى ملكهم ما ملكهم، فهي ايضاً ماله على كل حال.