التفاسير

< >
عرض

وَٱلضُّحَىٰ
١
وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ
٢
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ
٣
وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ
٤
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ
٥
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ
٦
وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ
٧
وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ
٨
فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ
٩
وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ
١٠
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
١١
-الضحى

التبيان الجامع لعلوم القرآن

روي أن عروة ابن الزبير قرأ { ما ودعك ربك } بالتخفيف من قولهم: ودع يدع أي ترك يترك، وهو قليل، لان سيبويه قال: استغنوا بـ (ترك) عن (ودع) فلم يستعملوه. والباقون بالتشديد.
هذا قسم من الله تعالى بالضحى، وهو صدر النهار، وهو الضحى المعروف - في قول قتادة - وقال الفراء: هو النهار كله من قولهم: ضحى فلان للشمس إذا ظهر لها. وفي التنزيل
{ وأَنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } }. وقوله { والليل إذا سجى } قسم آخر، وقال الحسن: معنى { سجى } غشي بظلامه. وقال قتادة: معنى { سجى } سكن وهذا من قولهم: بحر ساج أي ساكن، وبه قال الضحاك، يقال: سجا يسجو سجواً إذا هدئ وسكن، وطرف ساج قال الاعشى:

فما ذنبنا ان جاش بحر ابن عمكم وبحرك ساج لا يواري الدعا مصا

وقال الراجز:

يا حبذا القمراء والليل الساج وطرق مثل ملاء النساج

وقوله { ما ودعك ربك وما قلى } جواب القسم. وقيل: إنه لما تأخر عنه الوحي خمس عشرة ليلة، قال قوم من المشركين: ودع الله محمداً وقلاه، فانزل الله تعالى هذه السورة تكذيباً لهم وتسلية للنبي صلى الله عليه وآله، لأنه كان اغتم بانقطاع الوحي عنه - ذكره ابن عباس وقتادة والضحاك - ومعنى { ما ودعك } ما قطع الوحي عنك، ومعنى { قلى } أبغض - في قول ابن عباس والحسن وابن زيد - والقالي المبغض يقال: قلاه يقلاه قلا إذا ابغضه. والعقل دال على انه لا يجوز ان يقلا الله احداً من أنبيائه، والتقدير ما قلاك، فحذف الكاف لدلالة الكلام عليه، ولأن رؤس الآي بالياء، فلم يخالف بينها، ومثله (فآوى، وفهدى، وفأغنى) لأن الكاف في جميع ذلك محذوفة، ولما قلناه.
وقوله { وللآخرة خير لك من الأولى } خطاب للنبي صلى الله عليه وآله يقول الله تعالى له إن ثواب الآخرة والنعيم الدائم فيها خير لك من الأولى يعني من الدنيا، والكون فيها لكونها فانية. قال ابن عباس: له في الجنة ألف قصر من اللؤلؤ ترابه المسك، وفيه من كل ما يشتهي على اعم الوصف.
وقوله { ولسوف يعطيك ربك فترضى } وعد من الله له أن يعطيه من النعيم والثواب وفنون النعم ما يرضى النبي صلى الله عليه وآله به ويؤثره.
ثم عدد عليه النعمة في دار الدنيا فقال { ألم يجدك يتيماً فآوى } ومعناه تقريره على نعم الله عليه حين مات أبوه وبقي يتيماً فآواه بأن سخر له عبد المطلب أولا، ولما مات عبد المطلب آواه إلى ابي طالب، وسخره للاشفاق عليه والحنين على حفظه ومراعاته.
وقوله { ووجدك ضالاً فهدى } قيل فى معناه أقوال:
احدها - وجدك لا تعرف الحق فهداك اليه بأن نصب لك الادلة وارشدك اليها حتى عرفت الحق، وذلك من نعم الله.
وثانيها - وجدك ضالا عما أنت عليه الآن من النبوة والشريعة، فهداك اليها
وثالثها - وجدك فى قوم ضلال أي فكأنك واحد منهم.
ورابعها - وجدك مضلولا عنك فهدى الخلق إلى الاقرار بنبوتك والاعتراف بصدقك فوجدك ضالا بمعنى مضلول كما قيل ماء دافق بمعنى مدفوق، وسر كاتم بمعنى مكتوم.
وخامسها - أنه لما هاجر إلى المدينة ضل فى الطريق، وضل دليله فأرشدهم الله الى الطريق الواضح حتى وصلوا فاذا قيل: السورة مكية أمكن أن يقال: المراد بذلك الاستقبال والاعلام له أنه يكون هذا على وجه البشارة له به، ولم يكن فعلا له معصية، لانه ليس ذهاباً عما كلف.
وقوله { ووجدك عائلاً فأغنى } فالعائل الفقير، وهو ذو العيلة من غير جدة عال يعيل عيلة إذا كثر عياله وافتقر قال الشاعر:

وما يدرى الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل

أي متى يفتقر. وقيل ان ذكر النعم من المنعم يحسن على وجهين:
احدهما - التذكير للشكر وطلب الزيادة منها فهذا جود وكرم.
والاخر - عند كفر المنعم عليه، فهذا التذكير على الوجه الاول.
وقوله { فأما اليتيم فلا تقهر } أي لا تقهره لظلمه بأخذ ماله فكذلك من لا ناصر له لا تغلظ فى أمره، والخطاب متوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو نهي لجميع المكلفين وقيل: معناه لا تقهره على ماله.
وقوله { وأما السائل فلا تنهر } فالانتهار هو الصياح فى وجه السائل الطالب للرفد، يقال: نهره وانتهره بمعنى واحد، وهو متوجه إلى جميع المكلفين.
وقوله { وأما بنعمة ربك فحدث } معناه اذكر نعم الله واظهرها وتحدث بها. وقد قيل: من شكر النعمة الحديث بها.
فان قيل: فى هذا ونظائره مما عدده الله على خلقه من النعم وامتنانه عليهم كيف يمنن الله تعالى على خلقه بالنعم وذلك من فعل النجل، لان الواحد منا لو منَّ على غيره بما يسدي اليه كان مقبحاً؟!
قبل: إنما يقبح الامتنان إذا كان الغرض الازراء بالنعم عليه والتفضيل به، فاما إذا كان الغرض تعريف النعمة وتعديدها وإعلامه وجوهها ليقابلها بالشكر فيستحق به الثواب والمدح، فانه نعمة اخرى وتفضل آخر يستحق به الشكر فبطل ما قالوه.