التفاسير

< >
عرض

ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ
١
خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ
٢
ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ
٣
ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ
٤
عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
٥
كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ
٦
أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ
٧
إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ
٨
أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ
٩
عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ
١٠
-العلق

التبيان الجامع لعلوم القرآن

روي عن عائشة ومجاهد وعطاء وابن سيار: ان أول آية نزلت قوله { اقرأ باسم ربك الذي خلق } وهو قول أكثر المفسرين. وقال قوم: أول ما نزل قوله { يا أيها المدثر } وقد ذكرناه فيما مضى.
هذا أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ان يقرأ باسم ربه الذي خلق الخلق، وأن يدعوه بأسمائه الحسنى. وفى تعظيم الاسم تعظيم المسمى، لأن الاسم وصف ليذكر به المسمى بما لا سبيل إلى تعظيمه إلا بمعناه، فلهذا لا يعظم اسم الله حق تعظيمه إلا من هو عارف به ومعتقد لعبادة ربه، فهو معتقد بتعظيم المسمى لا وجه له يعتد به إلا تعظيم المسمى، ولهذا قال الله تعالى
{ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } وقال { فسبح باسم ربك } وقال الله تعالى { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } والباء زائدة، وتقديره اقرأ إسم ربك.
وقوله { الذي خلق } فى موضع جر، نعت لـ { ربك } الذي خلق الخلائق وأخرجهم من العدم إلى الوجود. وقوله { خلق الإنسان من علق } تخصيص لبعض ما ذكره بقوله { الذي خلق } لانه يشتمل على الانسان وغيره، وإنما أفرد الانسان بالذكر تشريفاً له وتنبيهاً على ما خصه الله به من سائر الحيوان، وبين أنه مع ذلك خلقه الله من علق، وهو القطعة الجامدة من الدم، وإنما قال { علق } وهو جمع علقة لأن المراد بالانسان الجمع، لأنه إسم جنس، وسمي به قطع العدم التي تعلق لرطوبتها بما تمر به، فاذا جفت لا تسمى علقاً، وواحدها { علقة } مثل شجرة وشجر. وعلق فى معنى الجمع، لان الانسان جمع على طريق الجنس، والنطفة تستحيل فى الرحم علقة ثم مضغة ويسمى ضرب من الدود الأسود العلق، لأنه يعلق على الشفتين لداء يصيبها فيمتص الدم. وفي خلق الانسان من علق دليل على ما يصح أن ينقلب اليه الجوهر.
وقوله { اقرأ وربك الأكرم } معناه اقرأ القرآن وربك الاكرم ومعنى الأكرم: الأعظم كرماً وفى صفة الله تعالى معناه الأعظم كرماً بما لا يبلغه كرم، الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه، لأنه يعطي من النعم ما لا يقدر على مثله غيره، فكل نعمة من جهته تعالى، إما بأن اخترعها أو سببها وسهل الطريق اليها.
وقوله { الذي علم بالقلم } { الذي } فى موضع رفع، لانه نعت لقوله { وربك } والمعنى إنه تعالى امتن على خلقه بما علمهم من كيفية الكتابة بالقلم، لما فى ذلك من كثرة الانتفاع لخلقه، فقد نوّه الله بذكر القلم إذ ذكره فى كتابه، وقد وصف بعض الشعراء القلم فقال:

لعاب الافاعي القاتلات لعابه وأري الجنا اشتارته أيد عواسل

وقوله { علم الإنسان ما لم يعلم } امتنان من الله تعالى على خلقه بأن علمهم ما لم يكونوا عالمين به إما بخلق العلوم فى قلوبهم من الضروريات أو بنصب الأدلة لهم على الوصول اليها فيما لم يعلموه ضرورة، وذلك من أعظم نعم الله تعالى على خلقه، وفي ذلك دلالة على انه تعالى عالم لان العلم لا يقع إلا من عالم.
وقوله { كلا } ردع وزجر وتقديره ارتدعوا وانزجروا معاشر المكلفين، ثم اخبر { إن الإنسان ليطغى } ويحتمل أن يكون بمعنى حقاً على وجه القسم بأن الانسان ليطغى أي ليجاوز الحد فى العصيان والخروج عن الطاعة { أن رآه استغنى } أي إذا كثر ماله واستغنى بطر وطغى، وخرج عن الحد المحدود له، ويجوز أن يقال: زيد رآه استغنى من الرؤية بمعنى العلم، ولا يجوز من رؤية العين، زيد { رآه } حتى تقول رأى نفسه، لان الذي يحتاج إلى خبر جاز فيه الضمير المتصل لطول الكلام بلزوم المفعول الثاني. وقرأ ابو عمرو { رآه } بفتح الراء وكسر الهمزة. وقرأ نافع وحفص عن عاصم بالفتح فيهما. الباقون بفتح الراء وبعد الهمزة الف على وزن (وعاه) على أمالة الفتحة، وابو عمرو يميل الالف.
ثم قال على وجه التهديد لهم { إن إلى ربك الرجعى } فالرجعي والمرجع والرجوع واحد أي مصيرهم ومرجعهم إلى الله فيجازيهم الله على أفعالهم على الطاعات بالثواب، وعلى المعاصي بالعقاب.
وقوله { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } تقرير للنبي صلى الله عليه وآله وإعلام له ما يفعله بمن ينهاه عن الصلاة. وقيل: إن الآيات نزلت فى أبي جهل بن هشام، والمراد بالعبد فى الآية النبي صلى الله عليه وآله فان أبا جهل كان ينهى النبي صلى الله عليه وآله عن الصلاة وكان النبي صلى الله عليه وآله لما قال ابو جهل: ألم انهك عن الصلاة انتهره واغلظ له، فقال أبو جهل، أنا اكثر أهل هذا الوادي نادياً - ذكره ابن عباس وقتادة - والمعنى أرأيت يا محمد صلى الله عليه وآله من فعل ما ذكرناه من منع الصلاة، وينهى المصلين عنها؟ ماذا يكون جزاؤه؟ وما يكون حاله عند الله؟ وما الذى يستحقه من العقاب؟