التفاسير

< >
عرض

وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ
٣٢
-يس

تفسير صدر المتألهين

من شدد "الميم" في "لما" كعاصم وحمزة وابن عامر كانت عنده بمعنى "إلاّ" كما في "نشدتك بالله لما فعلت" و "إن" نافية، والتقدير: ما كلٌ إلاّ لدينا محضرون. ومن خفّفها كالباقين كانت "ما" صلة للتأكيد و "إنْ" مخفّفة من الثقيلة، وهي متلقّاة باللام لا محالة، والتقدير: وإنه كلٌ لَجميعٌ لدينا محضرون.
والتنوين في "كلٌ" عوض من المضاف إليه، والمعنى: أن كلهم من السابقين واللاحقين محشورون مجموعون لدينا محضرون، أي مبعوثون يوم القيامة للحساب والجزاء - كما عليه جمهور المفسرين - أو دائماً، لأن علمه بجميع الجزئيات والشخصيات حضوري، فجميع الموجودات حاضرة عنده مجموعاً من غير تعاقب وتجدد وغيبة لبعضها عن بعض، بالقياس إلى شمول علمه ونظره، وإحاطة سمعه وبصره، فلا حاجة له في حضور الخلائق عنده إلى قيام الساعة وتبدّل الدنيا بالآخرة، إنما ذلك بالقياس إلى المحجوبين بالزمان والمكان، المحبوسين في سجن الأفلاك والأركان، حيث يتحكّم فيهم تبدل الأزمنة والأقران، وتتسلط عليهم انفعالات المواد والأبدان، وكل من لا تعلق له بعالم الزوال والفناء، فلا انتظار له في حضور الأشياء ومثولها بين يدي خالق الأرض والسماء، فالدنيا والآخرة سيّان له، وعنده علم الساعة وإليه يحشرون.
وقيل: معنى "محضرون" معذبون.
ثم لما كانت مسألة المعاد وحشر الأجساد، وحضور العباد بأبدانهم الأخروية عند المبدء الجواد، من عظائم أركان الإعتقاد، ولطائف مسائل الإجتهاد، وفي إدراكها غموض شديد لا يمكن الوصول إليه بجهد جهيد، كرر الله ذكرها في القرآن، ومهّد لإثباتها وجوهاً كثيرة من الأمثلة الموضحة لها عند البيان.
منها: ما ذكرها في هذه السورة التي هي مشتملة على جملة ما في الكتب الالهية من وجوه عديدة، أوضحها بياناً، وأجلّها كشفاً وبرهاناً، ما ذكره بقوله:
{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } [يس:33].