التفاسير

< >
عرض

وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ
٤١
-الواقعة

تفسير صدر المتألهين

ثمّ ذكر سبحانه أصحاب الشمال، وعجب رسوله من حالهم، وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى جهنّم، أي قعر العالم، كما أفصح عن اسمها، يقال: بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر.
أو الذين يأخذون كتبهم بشمالهم، أي من جانب الحسّ والطبيعة، وقد مرَّ بيان أنّ المعنيين متلازمان. وبيانه بوجه آخر: انّ النفس الكليّة الموصوفة بالقوّتين - المعبّر عنها بلسان الشرع بـ " اللوح المحفوظ" - ظلّ للعقل الكلّي - المعبّر عنه بـ "القلم الأعلى" و "النور المحمّدي"، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
"أوّل ما خلق الله نوري" .
كما أنّ الطبيعة ظِلّها، فما لم تمتدّ من ظِلّ النفس وبقيَت في درجة النوريّة سُمّيت بالزمّردة الخَضراء، وما امتدّ من ظِلّ النفس فتسمّى طبيعة وكان امتدادها على جوهر الهيولى المظلمة، فظهر من جوهر الهيولى والطبيعة الجسم الطبيعي مظلماً، ولهذا شبَّهوه بالفحمة السوداء، وفي هذا الجسم ظهرت صور هذا العالَم وأشكاله.
فكما علمت هذا في النفس الكلّية، فاعلم أنّ الحال في النفوس الجزئيّة هكذا، لأنّها رقائق للنفس الكلّية، فلكل نفس جزئيّة جانبان: الأعلى وهو اليمين، والأسفل وهو الشمال. وليس لها الانتقال من طرف إلى طرف إلاّ أفراد النفوس الإنسانيّة، فإنّ كلاّ منها كطير له جناحان، بأحدهما يطير إلى فوق - وهو القوّة النظريّة - وبالآخر يهوي إلى تحت، وهو القوّة العمليّة، فمن طارت نفسه إلى العالم الأعلى، إمّا بقوّة ذاته كالمجتهدين العارفين، أو بقوّة غيره كالمقلّدين المريدين، فهو من أهل السعادة الأخرويّة، إمّا من الفائزين المقرّبين، أو من أصحاب اليمين الناجين.
ومن هَوَتْ نفسه إلى العالَم الأسفل، ونزلت درجته إلى درجة الطبيعة والحواسّ، فهو من أهل الشقاوة الأخرويّة، وأصحاب الشمال والوَبال، لرُكونه وسكونه إلى عالَم الطبيعة. فإذا زالت عنه القوى الطبيعيّة، ونفدت منه هذه الحواسّ، كان كانسان مقطوع الأعضاء، ممثول الأطراف في ظلمة شديدة لا أوحش منها، فما أصعب حال أصحاب الشمال، وما أشدّ نكال أهل الظلمة والوبال.
فأراد سبحانه أن يكشف عن سوء أحوالهم وقبح وبالهم: