التفاسير

< >
عرض

إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً
٤
وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً
٥
فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً
٦
-الواقعة

تفسير صدر المتألهين

"إذا" مع ما يليه؛ بدل من "إذا وقعت". أو هو منصوب بـ "خافِضَة رافِعَة".
و "الرَجُّ" هو التحريك الشديد. فمعنى "رُجَّتِ الأرضُ": حُرّكت تحريكا شديدا حتى انهدم كلّ شيء عليها من الأبنية والجبال. وهي كذلك عند قيام الساعة، كما انها كذلك عند أهل الكشف الذين غلب على باطنهم ظهور سلطان الآخرة، فهم يرون الأرض ومن عليها دائمة التحوّل والنقل، لازمة الانهدام والزوال من حال إلى حال.
و "البَسّ" هو التفتيت للشيء والتفريق له حتّى يعود كالسَّويق. وبسّت الجبال، صارت متفرّقة الأجزاء كالذرّات المبثوثة في الهواء، وكذلك أصل الجبال، فإنّها في الأصل كانت أجزاء متفرّقة في مدّة طويلة لا يعلم كميّتها إلاّ الله، فجمعتها أيدي بعض ملائكة الله الموكّلة بتصريف الرياح وتمويج البحار، فانعقدت جبالاً بإذن الله في بعض الأوقات، ثم تعود إلى ما كانت وزالت عن مواضعها في كلّ وقت على التدريج ولو بهبوب الرياح ونزول الأمطار وتأثير أشعّة الشمس وغيرها من الأنوار، وتفسّخها بالتحليل والتبخير، وعلى هذا القياس يرجع فيها كلّ شيء إلى أصله، ويظهر على صورته الحقيقيّة التي كان عليها، ولا شكّ أنّ الآخرة إنّما تحصل بارتفاع الحُجُب وظهور الحقايق، وزوال التعيّنات، وتميز الحق عن الباطل.
على أنّ من اكتحلت عين بصيرته بنور الإيمان، وتنوّر قلبه بطلوع شمس العيان، يجد أعيان الأفلاك والأركان متبدّلة، وطبايع الصور والأكوان متحولّة متزايلة. فهي أبداً في السيلان والزوال والحركة والانتقال حركة جوهريّة وتجدّداً ذاتياً، لا بمجرّد الصفات والأعراض فقط، وفي المقولات الأربع لا غير - كما زعمه المحجوبون من أهل النظر -، بل كما أقيم عليه البرهان مطابقاً لما وجده أصحاب المكاشفة والعيان، من أنّ الطبيعة السارية في أجسام هذا العالم، هي حقيقة سيّالة متجدّدة الذات غير قارّة بحسب الجواهر.
وعلم من ذلك أنّ الدنيا بحذافيرها حادثة، وهي دار زوال وانتقال، والآخرة دار قرار وثبات، كما يراه المِليّون حسبما وصل إليهم من حَمَلة أسرار الوحي والتنزيل، وخَزَنَة علم النبوّة والتأويل.