التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ
٤٩
لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
٥٠
-الواقعة

تفسير صدر المتألهين

وقرئ: لَمُجْمَعون. قد علّم الله نبيّه طريق رفع هذا الإعضال، ولقَّنه تقرير الجواب عن هذا السؤال فقال: قُل يا محمّد - إنَّ الأوَّلينَ وَالآخرين - أي الذين تقدّموا عليكم من آبائكم وغير آبائكم، والذين يتأخّرون عن زمانكم، - لَمَجْمُوعُونَ إلى ميقَاتِ يَومٍ مَعْلُومٍ - أي لمحشورون إلى أجل وقّت به الله عباده، وهو يوم معلوم عند الله، هو يوم القيامة، فإنّ الميقات ما وقّت به الشيء.
قال صاحب الكشّاف: إن هذه الإضافة بمعنى "مِن" كخاتم فضة والحقّ أنّها بيانية.
وهو يوم يسع الخلايق كلّها، لأنّه يشمل الأيّام كلّها لكون مقداره خمسين ألف سنة، كما أن أرض المحشر تسَعهم أجمعين لأنّها جامعة الأرضين كلّهن - كما حقّقه العارفون -، فإنّ هذه المعيّة والجمعيّة للخلايق على ضَرْب آخر، ليست كمعيّة زمانيّة أو جمعيّة مكانيّة، كيف وليس لجميع الأزمنة زمان ولا لجميع الأمكنة مكان، ولا لمجموع هذه الدار دار أخرى إلاَّ بمعنى آخر له نحو آخر من الكون.
ولنُمثّل لاجتماع الخلايق عند الله في يوم واحد على الساهرة بمثال واحد جزئيّ، وهو: انّ ملاقاة الكرة المتدحرجة مع السطح المستوي لا يكون في كلّ آن، ولا في كلّ زمان من أزمنة السكون إلاّ بنقطة واحدة متعيّنة، وتكون ملاقاتها معه في زمان حركتها الدورية بخطّ واحد متّصل، بل بنقطة واحدة بجميع النقاط كلّها، لا كجمعيّة النقاط التي تكون في مدارٍ قارٍّ ساكن، بل جمعيّة أخرى انطوت بسببها جميع أجزاء الخطّ، وجميع النقاط التي كلّ منها واقعة في آن غير آن صاحبها في نقطة الملاقاة،وكذلك حال اجتماع الخلايق في عرصة القيامة عند الله. فافهم واعتنم إن كنت من أهله.