التفاسير

< >
عرض

أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ
٧١
أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ
٧٢
-الواقعة

تفسير صدر المتألهين

ثمّ ذكر الله سبحانه حِكمة النار بعد ذكر الأرض المزروعة - لدلالة الزرع عليها بالإلتزام - وذكر الماء والهواء لكونهما أشرف العناصر وأصفاها وأبعدها مكاناً عنّا، مخاطِباً لنا للحثِّ على النظر في عجيب أمرها وحكمة تكونها في وجه الأرض مع بُعد حيِّزها الطبيعي عنها بقوله: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ } - أي: نظرتم نظر المعتبر المتفكّر في خلقتها وحكمتها - { ٱلَّتِي تُورُونَ } - أي: تقدحونها وتستخرجونها من الزناد والمَقادح، وهما أبعد شيء عن قبول الصورة الناريّة.
قيل: إنّ العرب تقدح بعودين يُحكّ أحدهما على الآخر، ويسمّون الأعلى: "الزَند" والأسفل: "الزَندة"، وشبّهوهما بالفحل والمطروقة.
وقد مرَّ في سورة يس عند قوله تعالى:
{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } [يس:80] إنّ المرخ والعفار يقطع الرجل منهما عصيّين مثل السواكين، وهما خضراوان يقطر منهما الماء، فيسحق المرخ - وهو ذَكر - على العفار - وهي أنثى - فيقدح بإذن الله فتعلّق بالحطب وغيره، فينشئ شجرتها التي تنقدح منها النار - { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ } - أي: أنبتّموها وابتدأتموها - { أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } - إيّاها على وجه يصلح لأن تتعلّق بها الدار لتكون خليفة للشمس والقمر على وجه الأرض للإضاءة ليلاً ولأن تنضج به من الطعوم ما لا تنضجه الكواكب فلا يمكن لأحد أن يقول إنّه أنشأ تلك الشجرة غير الله.
ثمّ إنّ النار صاعدة بالطبع كما أنّ الماء والشجر وغيرهما هابطة بالطبع.
وأيضاً: النارُ نورانيّة والشجرة ظلمانيّة، والنار حارّة يابسة والشجرة باردة رطبة فقد أمسك الله في داخل تلك الشجرة الظلمانيّة هذه الأجزاء النوارنيّة فقد جمع بقدرته بين هذه الأجزاء المتنافرة وجبرها على الالتيام ليستصلح بها حال النباتات ويهيّأ بها للإنسان الطعام وليأخذ مَن يشاء مِن عباده طريق الآخرة ودار السلام بهذا المركب البدني، وزاد المعرفة التي هي نور من أنوار الله العقليّة يهتدي به في ظلمات برّ الدنيا وبحر الآخرة ويستضيء به طريق المعاد وسبيله.
وهو المحرّك لأهل الإيمان إلى الجنّة والرضوان، والساعي بهم إلى عالَم القدس ومجاورة الرحمن، كما في قوله:
{ { يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } [الحديد:12].